أهميـــة التقويــم الهجــري فـي حيــاة المســلم
صفحة 1 من اصل 1
أهميـــة التقويــم الهجــري فـي حيــاة المســلم
أهميـــة التقويــم الهجــري فـي حيــاة المســلم
=================================
هـل لنـا أن ننظـم حياتنـا بـأي تقويـم لـو كـان هـذا يغنـي فلـم فعـل عمـر ـ رضي الله عنه ـ والصحابـة ذلـك ؟ لِـم لـم يكتفـوا بالتقويـم الميـلادي الموجـود فعـلاً ؟
نحيـا مـع مقتطفـات مـن هـذه الكلمـات الذهبيـة لنتعـرف علـى الحكمـة مـن ذلـك :
عبـاد الله : وإن ممـا يؤسـف لـه أن لا يَقْـدُرَ بعـض المسـلمين لهـذا التأريـخ قـدره ، وأن يسـتبدلوا بـه تأريخًـا آخـر ، بـأن يجعلـوه معتمـدًا فـي معاملاتهـم كافـة ، وهـذا خطـر عظيـم ربمـا غُفِـلَ عنـه ، فـإن التاريـخ الميـلادي لا يمكـن أن يحـل محـل التاريـخ الهجـري لمـا بينهمـا مـن تبايـن يمـس الديـن والهويـة ، ولأنَّ التأريـخ الهجـري تأريـخ مرتبـط بالديـن وُضِـع مـن أجلـه ، فبالأشـهر القمريـة تربــط أحـوال الزكــاة ، وآجـال الديـون والرهـان ، وعِـدَد الطـلاق ومُـدَد الحِـدَاد والإيـلاء وغيـر ذلـك ؛ ولـذا قـال تعالـى :
{ هُـوَ الَّـذِي جَعَـلَ الشَّـمْسَ ضِيَـاء وَالْقَمَـرَ نُـوراً وَقَـدَّرَهُ مَنَـازِلَ لِتَعْلَمُـواْ عَـدَدَ السِّـنِينَ وَالْحِسَـابَ ... }. سورة يونس/ آية :5 .
فـإن مـن أكبـر الجنايـات علـى الهويـة الإسـلامية أن يسـتبدل بتأريخهـا الدينـي تأريخًـا أجنبيًّـا عـن دينهـا وثقافتهـا ، بـل ذلـك امتـداد لطمـس هـذه الهويـة ، والارتمـاء فـي أحضـان التبعيـة ، فـإن فـي الاعتـزاز بالثوابـت والموروثـات الدينيـة والثقافيـة ـ والتـي منهـا التأريـخ الهجـري ـ إبقـاء علـى كيـان الأمـة .
ســؤال :
هـل التأريـخ بالتأريـخ الميـلادي يعتبـر مـن مـوالاة الكفـار ؟
الجـــواب :
الحمـد لله لا يعتبـر مـوالاة ، لكـن يعتبـر تشـبهًا بهـم . والصحابـة ـ رضي الله عنهم ـ كـان التأريـخ الميـلادي موجـودًا فـي عصرهـم ، ولـم يسـتعملوه ، بـل عدلـوا عنـه إلـى التأريـخ الهجـري .
وضعـوا التأريـخ الهجـري ولـم يسـتعملوا التأريـخ الميـلادي مـع أنـه كـان موجـودًا فـي عهدهـم ، هـذا دليـل علـى أن المسـلمين يجـب أن يسـتقلوا عـن عـادات الكفـار وتقاليـد الكفـار ، لا سـيما وأن التأريـخ الميـلادي رمـز علـى دينهـم ، لأنه يرمـز إلـى تعظيـم ميـلاد المسـيح والاحتفـال بـه علـى رأس السـنة ، وهـذه بدعـة ابتدعهـا النصـارى ، فنحـن لا نشـاركهم ولا نشـجعهم علـى هـذا الشـيء .
وإذا أرّخنـا بتاريخهـم فمعنـاه أننـا نتشـبه بهـم . وعندنـا والحمـد لله التأريـخ الهجـري الـذي وضعـه لنـا أميـر المؤمنيـن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ الخليفـة الراشـد بحضـرة المهاجريـن والأنصـار ، هـذا يغنينـا . ا . هـ .
فضيلة الشيخ : صالح الفوزان في كتاب : المنتقى 1 / 257 .
مـا يُســن فـي شــهر الله المحــرم
==========================
يُسـن فـي هـذا الشـهر الإكثـار مـن الصيـام وخاصـة يـوم عاشـوراء .
قـال الإمـام مسـلم فـي صحيحـه :
حدثنـي قتيبـة بـن سـعيد ٍ ، قـال : حدثنـا أبـو عَوَانَـة ، عـن أبـي بِشْـرٍ ، عـن حُميـد بـن عبـد الرحمـن الحِمْيَـريِّ ، عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسُـولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" أفضـلُ الصيـام بعـدَ رمضـانَ شَـهرُ اللهِ المحَـرَّمُ وأفضَـلُ الصـلاةِ بعـدَ الفريضـةِ صـلاةُ الليـلِ " .
صحيح مسلم / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 38 ) ـ باب : فضل صوم المحرم / حديث رقم : 202 ـ ( 1163 ) / ص : 280 .
قولـه صلـى الله عليـه وسـلم :
" أفضـلُ الصيـام بعـدَ رمضـانَ شَـهرُ اللهِ المحَـرَّمُ " تصريـح بأنـهُ أفضـل الشُّـهور للصـومِ ، وقـد سـبق الجـواب عـن إكثـار النبـي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِـن صـوم شـعبان دون المحـرم ، وذكرنـا فيـه جوابيـن :
أحدهمـا : لعلَّـهُ علـمَ فضلـهُ فـي آخـر حياتـه ، والثانـي : لعلـهُ كـان يَعـرض فيـه أعـذار ، مَـن سَـفرٍ أو مـرضٍ أو غيرهمـا .
قولـه صلـى الله عليـه وسـلم :
" وأفضَـلُ الصـلاةِ بعـدَ الفريضـةِ صـلاةُ الليـلِ " فيـه دليـل لِمـا اِتَّفـقَ العُلمـاء عليـه أن تَطـوُّع الليـل أفضـل مِـن تطـوع النهـار ، وفيـه حُجَّـةٌ لأبـي إسـحاق المَـرْوَزيِّ مِـن أصحابنـَا ومَـن وافقـهُ أن صـلاة الليـل أفضـل مـن السُّـنن الرَّاتِبـة ، وقـال أكثـر أصحابنـا : الرَّواتِـب أفضـل ، لأنهـا تُشْـبه الفرائِـض ،
والأوَّل أقـوى وأوفـقُ للحديـث . والله أعلـم .
شرح النووي للحديث بصحيح مسلم .
وللصـوم فضائـل لـو اجتمعـت مـع فضيلـة الزمـان لرجونـا فـوزًا عظيمًـا ، فالصيـام مـن أفضـل الأعمـال .
وقـد اصطفـاه الله تعالـى لنفسـه كمـا فـي الحديـث القدسـي :
* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " كـل عمـل ابـن آدم يضاعـف الحسـنة عشـر أمثالهـا ؛ إلـى سـبعمائة ضعـف ، قـال الله عـز وجـل : إلا الصـوم فإنـه لـي وأنـا أجـزي بـه ، يـدَعُ شـهوته وطعامـه مـن أجلـي ، للصائـم فرحتـان ؛ فرحـة عنـد فطـره ، وفرحـة عنـد لقـاء ربـه ، ولخلـوف فيـه أطيـب عنـد الله مـن ريـح المسـك " .
صحيح مسلم " متون " / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 30 ) ـ باب : فضل الصيام / حديث رقم : 164 ـ ( 1151 ) / ص : 275 .
والصيـــام لا مثــل لـه :
------------------
* عـن أبـي أمامـة ، قـال : أتيـتُ رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؛ فقلـتُ : مُرنـي بأمـرِ آخـذه عنـك ، قـال : " عليـك بالصـوم ؛ فإنـه لا مِثـلَ لـه " .
سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 22 ) ـ كتاب : الصيام / ( 43 ) ـ باب :
الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب / حديث رقم : 2220 / ص : 351 / صحيح .
* عـن أبـي أمامـة قـال : قلـتُ : يا رسـول اللهِ مُرنـي بأمـر ينفعنـي الله بـه ، قـال : " عليـك بالصيـام ، فإنـه لا مثـل لـه " .
سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 22 ) ـ كتاب : الصيام / ( 43 ) ـ باب :
الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب / حديث رقم : 2221 / ص : 351 / صحيح .
الصيــام لا عــدل لـه :
-----------------
* عـن أبـي أمامـة ، أنـه سـأل رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أيُّ العمـل أفضـلُ ؟ .
قـال : " عليـك بالصـوم ، فإنـه لا عِـدْلَ لـه " .
سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 22 ) ـ كتاب : الصيام / ( 43 ) ـ باب :
الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب / حديث رقم : 2222 / ص : 351 / صحيح .
* * * * *
احــرص علــى مــا ينفعــك
==================
إذا كـان الصيـام بهـذه المنزلـة فلنحـرص علـى مـا ينفعنـا
قـد كـان سـلفنا الصالـح شـديدوا اللهفـة والحـرص عمـا ينفعهـم ويدخلهـم الجنـة ، فمـن الأعمـال الفاضلـة بعـد التوبـة وحُسـن أداء الفرائـض ، الحـرص علـى كـل مـا ينفـع .
* عـن أبـي هريـرة ، قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" المؤمـن القـوي خيـرٌ وأحـبُّ إلـى اللهِ مـن المؤمـن الضعيـف ، وفـي كـلٍّ خيـر .
احـرص علـى مـا ينفعـك واسـتعن بالله ولا تَعجِـزْ وإن أصابـك شـيءٌ فـلا تقـل : لـو أنـي فعلـتُ كـان كـذا وكـذا ، ولكـن قـل : قـدَرُ الله ومـا شـاء فعـل ، فـإن لـو تفتـح عمـل الشـيطان " .
صحيح مسلم " متون " / ( 46 ) ـ كتاب : القدر / ( 8 ) ـ باب : في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله ،
وتفويض المقادير لله / حديث رقم : 34 ـ ( 2664 ) / ص : 677 .
* عـن أبـي سـلمة قـال سـمعت ربيعـة بـن كعـب الأسـلمي يقـول : كنـت أبيـتُ مـع رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، آتيـه بوَضوئـه وبحاجتـه . فقـال : " سـلني . فقلـتُ : مرافقتـك فـي الجنـة . قـال : أو غيـرَ ذلـك " . قلـتُ : هـو ذاك . قـال : " فأعنـي علـى نفسـك بكثـرة السـجود " .
سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / ( 312 ) ـ أول كتاب : الصلاة / باب : وقت قيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الليل /
حديث رقم : 1320 / ص : 227 / حديث صحيح .
فلنحـرص علـى مـا ينفعنـا بحقـه فينبغـي للمسـلم أن يكـون همـه وقصـده فـي هـذه الحيـاة تحقيـق الغايـة التـي خُلـق مـن أجلهـا ، وهـي عبـادة الله تعالـى ، والفـوز برضـاه ونعيمـه ، والنجـاة مـن غضبـه وعذابـه .
قـال تعالـى :
{ وَمَـا خَلَقْـتُ الْجِـنَّ وَالإِنـسَ إِلاَّ لِيَعْبُـدُونِ }. سورة الذاريات / آية : 56 .
فيبـدأ بفعـل المأمـورات ، ويحـذر بتـرك المنهيـات .
ثـم إنـه بعـد ذلـك يبـدأ فـي البحـث علـى اغتنـام مواسـم الطاعـات ، التـي ترفـع الدرجـات ، وتزيـد فـي الحسـنات .
ذلـك أن لله مواسـم للطاعـات ، وأوقاتًـا فضـل بعضهـا علـى بعـض .
فمـن اسـتطاع أن يغتنـم هـذه المواسـم ، فهـو الـذي يسـعد فـي دنيـاه ، ويجـد ثـواب ذلـك فـي قبـره
بعـد مماتـه ، ثـم يفـوز بجنـة الله عـز وجـل ورضوانـه فـي الآخـرة .
فهيا نشـمر عـن الأكمـام لاغتنـام موسـم للطاعـة عظيـم قـد أقبـل علينـا ، ألا وهـو شـهر الله المحـرم ، وذلـك بالإكثـار مـن الصيـام بحقـه ، والحـرص علـى اغتنـام اليـوم العظيـم الـذي فيـه ، وهـو يـوم عاشـوراء .
اللهــم اجعلنــا مـن عبــادك المتقيــن ، الذيــن يســمعون القــول فيتبعــون أحســنه ، آميــــن .
ــــــــ
علـى المسـلم أن لا يتكـل علـى صيـام هـذا اليـوم علـى أنـه يُكَفِّـرَ السَّـنة الَّتـي قبْلَـهُ مـع مقارفتـه للكبائـر إذ الواجـب التوبـة مـن جميـع الذنـوب كبيرهـا وصغيرهـا ثـم يرجـو أن يُكَفِّـرَ صـوم هـذا اليـوم السَّـنَة الَّتـي قبلـهُ .
قـال ابـن القيـم ـ رحمه الله تعالى ـ :
" وكاغتـرار بعضهـم علـى صـوم يـوم عاشـوراء أو يـوم عرفـة حتـى يقـول بعضهـم : يـوم عاشـوراء يكفـر ذنـوب العـام كلهـا ويبقـى صـوم عرفــة زيـادة فـي الأجــر ولـم يـدر هـذا المغتـر أن صــوم رمضـان والصلـوات الخمـس أعظـم وأجـل مـن صيـام يـوم عرفـة ويـوم عاشـوراء وهـي إنمـا تكفــر مـا بينهمـا إذا اجتنبـت الكبائـر فرمضـان والجمعـة إلـى الجمعـة لا يقويـا علـى تكفيـر الصغائــر إلا مـع انضمــام تـرك الكبائــر إليهـا فيقـوى مجمــوع الأمريـن علـى تكفيــر الصغائـر ، فكيـف يكفــر صــوم تطــوع كـل كبيـرة عملهـا العبــد وهـو مُصــر عليهـا غيــر تائـب منهـا ، هـذا محـال علـى أنـه لا يمتنـع أن يكـون صـوم يـوم عرفـة ويـوم عاشـوراء يكفـر لجميـع ذنـوب العـام علـى عمومـه ويكـون مـن نصـوص الوعــد التـي لهـا شـروط وموانـع ويكـون إصـراره علـى الكبائـر مانعًـا مـن التكفيــر ، فـإذا لـم يصـر علـى الكبائـر يسـاعد الصـوم وعـدم الإصـرار وتعاونًـا علـى عمـوم التكفيـر كمـا كـان رمضـان والصلـوات الخمـس مـع اجتنـاب الكبائـر متسـاعدَين متعاونيـن علـى تكفيــر الصغائــر ، مـع أنـه سـبحانه قـد قـال { إِن تَجْتَنِبُـواْ كَبَآئِـرَ مَـا تُنْهَـوْنَ عَنْـهُ نُكَفِّـرْ عَنكُـمْ سَـيِّئَاتِكُمْ ... } فاعلــم أن جعـل الشــيء سـببًا للتكفيــر لا يمنـع أن يتسـاعد هـو وسـبب آخـر علـى التكفيــر ويكـون التكفيــر مـع اجتمــاع السـببين أقــوى وأتـم منـه مـع انفــراد أحدهمـا وكلمـا قويـت أسـباب التكفيــر كـان أقـوى وأتــم وأشـمل " . ا . هـ . الجواب الكافي / 13 .
فمـن فضـل الله علينـا أن أعطانـا بصيـام يـوم واحـد تكفيـر ذنـوب سـنة كاملـة ، فهـو سـبحانه ذو الفضـل العظيـم .
فالمعاصـي والذنـوب سـبب مـن أسـباب الـذل والمهانـة ، فكـم تأتـي المعاصـي بتسـلط الأعـداء والـذل والصغـار .
اللهـم انقلنـا مـن ذل المعصيـة إلـى عـز الطاعـة ، برحمتـك يـا أرحـم الراحميـن .
وارزقنـا يقظـة مـن رقـدات الغفلـة ، وارزقنـا الاسـتعداد قبـل النقلـة ، وألهمنـا اغتنـام الزمـان وقـت المهلـة ، ووفقنـا لفعـل الخيـرات ، وتـرك المنكـرات والفـوز بالرحمـات .
امين يارب العالمين
=================================
هـل لنـا أن ننظـم حياتنـا بـأي تقويـم لـو كـان هـذا يغنـي فلـم فعـل عمـر ـ رضي الله عنه ـ والصحابـة ذلـك ؟ لِـم لـم يكتفـوا بالتقويـم الميـلادي الموجـود فعـلاً ؟
نحيـا مـع مقتطفـات مـن هـذه الكلمـات الذهبيـة لنتعـرف علـى الحكمـة مـن ذلـك :
عبـاد الله : وإن ممـا يؤسـف لـه أن لا يَقْـدُرَ بعـض المسـلمين لهـذا التأريـخ قـدره ، وأن يسـتبدلوا بـه تأريخًـا آخـر ، بـأن يجعلـوه معتمـدًا فـي معاملاتهـم كافـة ، وهـذا خطـر عظيـم ربمـا غُفِـلَ عنـه ، فـإن التاريـخ الميـلادي لا يمكـن أن يحـل محـل التاريـخ الهجـري لمـا بينهمـا مـن تبايـن يمـس الديـن والهويـة ، ولأنَّ التأريـخ الهجـري تأريـخ مرتبـط بالديـن وُضِـع مـن أجلـه ، فبالأشـهر القمريـة تربــط أحـوال الزكــاة ، وآجـال الديـون والرهـان ، وعِـدَد الطـلاق ومُـدَد الحِـدَاد والإيـلاء وغيـر ذلـك ؛ ولـذا قـال تعالـى :
{ هُـوَ الَّـذِي جَعَـلَ الشَّـمْسَ ضِيَـاء وَالْقَمَـرَ نُـوراً وَقَـدَّرَهُ مَنَـازِلَ لِتَعْلَمُـواْ عَـدَدَ السِّـنِينَ وَالْحِسَـابَ ... }. سورة يونس/ آية :5 .
فـإن مـن أكبـر الجنايـات علـى الهويـة الإسـلامية أن يسـتبدل بتأريخهـا الدينـي تأريخًـا أجنبيًّـا عـن دينهـا وثقافتهـا ، بـل ذلـك امتـداد لطمـس هـذه الهويـة ، والارتمـاء فـي أحضـان التبعيـة ، فـإن فـي الاعتـزاز بالثوابـت والموروثـات الدينيـة والثقافيـة ـ والتـي منهـا التأريـخ الهجـري ـ إبقـاء علـى كيـان الأمـة .
ســؤال :
هـل التأريـخ بالتأريـخ الميـلادي يعتبـر مـن مـوالاة الكفـار ؟
الجـــواب :
الحمـد لله لا يعتبـر مـوالاة ، لكـن يعتبـر تشـبهًا بهـم . والصحابـة ـ رضي الله عنهم ـ كـان التأريـخ الميـلادي موجـودًا فـي عصرهـم ، ولـم يسـتعملوه ، بـل عدلـوا عنـه إلـى التأريـخ الهجـري .
وضعـوا التأريـخ الهجـري ولـم يسـتعملوا التأريـخ الميـلادي مـع أنـه كـان موجـودًا فـي عهدهـم ، هـذا دليـل علـى أن المسـلمين يجـب أن يسـتقلوا عـن عـادات الكفـار وتقاليـد الكفـار ، لا سـيما وأن التأريـخ الميـلادي رمـز علـى دينهـم ، لأنه يرمـز إلـى تعظيـم ميـلاد المسـيح والاحتفـال بـه علـى رأس السـنة ، وهـذه بدعـة ابتدعهـا النصـارى ، فنحـن لا نشـاركهم ولا نشـجعهم علـى هـذا الشـيء .
وإذا أرّخنـا بتاريخهـم فمعنـاه أننـا نتشـبه بهـم . وعندنـا والحمـد لله التأريـخ الهجـري الـذي وضعـه لنـا أميـر المؤمنيـن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ الخليفـة الراشـد بحضـرة المهاجريـن والأنصـار ، هـذا يغنينـا . ا . هـ .
فضيلة الشيخ : صالح الفوزان في كتاب : المنتقى 1 / 257 .
مـا يُســن فـي شــهر الله المحــرم
==========================
يُسـن فـي هـذا الشـهر الإكثـار مـن الصيـام وخاصـة يـوم عاشـوراء .
قـال الإمـام مسـلم فـي صحيحـه :
حدثنـي قتيبـة بـن سـعيد ٍ ، قـال : حدثنـا أبـو عَوَانَـة ، عـن أبـي بِشْـرٍ ، عـن حُميـد بـن عبـد الرحمـن الحِمْيَـريِّ ، عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسُـولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" أفضـلُ الصيـام بعـدَ رمضـانَ شَـهرُ اللهِ المحَـرَّمُ وأفضَـلُ الصـلاةِ بعـدَ الفريضـةِ صـلاةُ الليـلِ " .
صحيح مسلم / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 38 ) ـ باب : فضل صوم المحرم / حديث رقم : 202 ـ ( 1163 ) / ص : 280 .
قولـه صلـى الله عليـه وسـلم :
" أفضـلُ الصيـام بعـدَ رمضـانَ شَـهرُ اللهِ المحَـرَّمُ " تصريـح بأنـهُ أفضـل الشُّـهور للصـومِ ، وقـد سـبق الجـواب عـن إكثـار النبـي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِـن صـوم شـعبان دون المحـرم ، وذكرنـا فيـه جوابيـن :
أحدهمـا : لعلَّـهُ علـمَ فضلـهُ فـي آخـر حياتـه ، والثانـي : لعلـهُ كـان يَعـرض فيـه أعـذار ، مَـن سَـفرٍ أو مـرضٍ أو غيرهمـا .
قولـه صلـى الله عليـه وسـلم :
" وأفضَـلُ الصـلاةِ بعـدَ الفريضـةِ صـلاةُ الليـلِ " فيـه دليـل لِمـا اِتَّفـقَ العُلمـاء عليـه أن تَطـوُّع الليـل أفضـل مِـن تطـوع النهـار ، وفيـه حُجَّـةٌ لأبـي إسـحاق المَـرْوَزيِّ مِـن أصحابنـَا ومَـن وافقـهُ أن صـلاة الليـل أفضـل مـن السُّـنن الرَّاتِبـة ، وقـال أكثـر أصحابنـا : الرَّواتِـب أفضـل ، لأنهـا تُشْـبه الفرائِـض ،
والأوَّل أقـوى وأوفـقُ للحديـث . والله أعلـم .
شرح النووي للحديث بصحيح مسلم .
وللصـوم فضائـل لـو اجتمعـت مـع فضيلـة الزمـان لرجونـا فـوزًا عظيمًـا ، فالصيـام مـن أفضـل الأعمـال .
وقـد اصطفـاه الله تعالـى لنفسـه كمـا فـي الحديـث القدسـي :
* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " كـل عمـل ابـن آدم يضاعـف الحسـنة عشـر أمثالهـا ؛ إلـى سـبعمائة ضعـف ، قـال الله عـز وجـل : إلا الصـوم فإنـه لـي وأنـا أجـزي بـه ، يـدَعُ شـهوته وطعامـه مـن أجلـي ، للصائـم فرحتـان ؛ فرحـة عنـد فطـره ، وفرحـة عنـد لقـاء ربـه ، ولخلـوف فيـه أطيـب عنـد الله مـن ريـح المسـك " .
صحيح مسلم " متون " / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 30 ) ـ باب : فضل الصيام / حديث رقم : 164 ـ ( 1151 ) / ص : 275 .
والصيـــام لا مثــل لـه :
------------------
* عـن أبـي أمامـة ، قـال : أتيـتُ رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؛ فقلـتُ : مُرنـي بأمـرِ آخـذه عنـك ، قـال : " عليـك بالصـوم ؛ فإنـه لا مِثـلَ لـه " .
سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 22 ) ـ كتاب : الصيام / ( 43 ) ـ باب :
الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب / حديث رقم : 2220 / ص : 351 / صحيح .
* عـن أبـي أمامـة قـال : قلـتُ : يا رسـول اللهِ مُرنـي بأمـر ينفعنـي الله بـه ، قـال : " عليـك بالصيـام ، فإنـه لا مثـل لـه " .
سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 22 ) ـ كتاب : الصيام / ( 43 ) ـ باب :
الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب / حديث رقم : 2221 / ص : 351 / صحيح .
الصيــام لا عــدل لـه :
-----------------
* عـن أبـي أمامـة ، أنـه سـأل رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أيُّ العمـل أفضـلُ ؟ .
قـال : " عليـك بالصـوم ، فإنـه لا عِـدْلَ لـه " .
سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني / ( 22 ) ـ كتاب : الصيام / ( 43 ) ـ باب :
الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب / حديث رقم : 2222 / ص : 351 / صحيح .
* * * * *
احــرص علــى مــا ينفعــك
==================
إذا كـان الصيـام بهـذه المنزلـة فلنحـرص علـى مـا ينفعنـا
قـد كـان سـلفنا الصالـح شـديدوا اللهفـة والحـرص عمـا ينفعهـم ويدخلهـم الجنـة ، فمـن الأعمـال الفاضلـة بعـد التوبـة وحُسـن أداء الفرائـض ، الحـرص علـى كـل مـا ينفـع .
* عـن أبـي هريـرة ، قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" المؤمـن القـوي خيـرٌ وأحـبُّ إلـى اللهِ مـن المؤمـن الضعيـف ، وفـي كـلٍّ خيـر .
احـرص علـى مـا ينفعـك واسـتعن بالله ولا تَعجِـزْ وإن أصابـك شـيءٌ فـلا تقـل : لـو أنـي فعلـتُ كـان كـذا وكـذا ، ولكـن قـل : قـدَرُ الله ومـا شـاء فعـل ، فـإن لـو تفتـح عمـل الشـيطان " .
صحيح مسلم " متون " / ( 46 ) ـ كتاب : القدر / ( 8 ) ـ باب : في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله ،
وتفويض المقادير لله / حديث رقم : 34 ـ ( 2664 ) / ص : 677 .
* عـن أبـي سـلمة قـال سـمعت ربيعـة بـن كعـب الأسـلمي يقـول : كنـت أبيـتُ مـع رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، آتيـه بوَضوئـه وبحاجتـه . فقـال : " سـلني . فقلـتُ : مرافقتـك فـي الجنـة . قـال : أو غيـرَ ذلـك " . قلـتُ : هـو ذاك . قـال : " فأعنـي علـى نفسـك بكثـرة السـجود " .
سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / ( 312 ) ـ أول كتاب : الصلاة / باب : وقت قيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الليل /
حديث رقم : 1320 / ص : 227 / حديث صحيح .
فلنحـرص علـى مـا ينفعنـا بحقـه فينبغـي للمسـلم أن يكـون همـه وقصـده فـي هـذه الحيـاة تحقيـق الغايـة التـي خُلـق مـن أجلهـا ، وهـي عبـادة الله تعالـى ، والفـوز برضـاه ونعيمـه ، والنجـاة مـن غضبـه وعذابـه .
قـال تعالـى :
{ وَمَـا خَلَقْـتُ الْجِـنَّ وَالإِنـسَ إِلاَّ لِيَعْبُـدُونِ }. سورة الذاريات / آية : 56 .
فيبـدأ بفعـل المأمـورات ، ويحـذر بتـرك المنهيـات .
ثـم إنـه بعـد ذلـك يبـدأ فـي البحـث علـى اغتنـام مواسـم الطاعـات ، التـي ترفـع الدرجـات ، وتزيـد فـي الحسـنات .
ذلـك أن لله مواسـم للطاعـات ، وأوقاتًـا فضـل بعضهـا علـى بعـض .
فمـن اسـتطاع أن يغتنـم هـذه المواسـم ، فهـو الـذي يسـعد فـي دنيـاه ، ويجـد ثـواب ذلـك فـي قبـره
بعـد مماتـه ، ثـم يفـوز بجنـة الله عـز وجـل ورضوانـه فـي الآخـرة .
فهيا نشـمر عـن الأكمـام لاغتنـام موسـم للطاعـة عظيـم قـد أقبـل علينـا ، ألا وهـو شـهر الله المحـرم ، وذلـك بالإكثـار مـن الصيـام بحقـه ، والحـرص علـى اغتنـام اليـوم العظيـم الـذي فيـه ، وهـو يـوم عاشـوراء .
اللهــم اجعلنــا مـن عبــادك المتقيــن ، الذيــن يســمعون القــول فيتبعــون أحســنه ، آميــــن .
تحذيـــــر
ــــــــ
علـى المسـلم أن لا يتكـل علـى صيـام هـذا اليـوم علـى أنـه يُكَفِّـرَ السَّـنة الَّتـي قبْلَـهُ مـع مقارفتـه للكبائـر إذ الواجـب التوبـة مـن جميـع الذنـوب كبيرهـا وصغيرهـا ثـم يرجـو أن يُكَفِّـرَ صـوم هـذا اليـوم السَّـنَة الَّتـي قبلـهُ .
قـال ابـن القيـم ـ رحمه الله تعالى ـ :
" وكاغتـرار بعضهـم علـى صـوم يـوم عاشـوراء أو يـوم عرفـة حتـى يقـول بعضهـم : يـوم عاشـوراء يكفـر ذنـوب العـام كلهـا ويبقـى صـوم عرفــة زيـادة فـي الأجــر ولـم يـدر هـذا المغتـر أن صــوم رمضـان والصلـوات الخمـس أعظـم وأجـل مـن صيـام يـوم عرفـة ويـوم عاشـوراء وهـي إنمـا تكفــر مـا بينهمـا إذا اجتنبـت الكبائـر فرمضـان والجمعـة إلـى الجمعـة لا يقويـا علـى تكفيـر الصغائــر إلا مـع انضمــام تـرك الكبائــر إليهـا فيقـوى مجمــوع الأمريـن علـى تكفيــر الصغائـر ، فكيـف يكفــر صــوم تطــوع كـل كبيـرة عملهـا العبــد وهـو مُصــر عليهـا غيــر تائـب منهـا ، هـذا محـال علـى أنـه لا يمتنـع أن يكـون صـوم يـوم عرفـة ويـوم عاشـوراء يكفـر لجميـع ذنـوب العـام علـى عمومـه ويكـون مـن نصـوص الوعــد التـي لهـا شـروط وموانـع ويكـون إصـراره علـى الكبائـر مانعًـا مـن التكفيــر ، فـإذا لـم يصـر علـى الكبائـر يسـاعد الصـوم وعـدم الإصـرار وتعاونًـا علـى عمـوم التكفيـر كمـا كـان رمضـان والصلـوات الخمـس مـع اجتنـاب الكبائـر متسـاعدَين متعاونيـن علـى تكفيــر الصغائــر ، مـع أنـه سـبحانه قـد قـال { إِن تَجْتَنِبُـواْ كَبَآئِـرَ مَـا تُنْهَـوْنَ عَنْـهُ نُكَفِّـرْ عَنكُـمْ سَـيِّئَاتِكُمْ ... } فاعلــم أن جعـل الشــيء سـببًا للتكفيــر لا يمنـع أن يتسـاعد هـو وسـبب آخـر علـى التكفيــر ويكـون التكفيــر مـع اجتمــاع السـببين أقــوى وأتـم منـه مـع انفــراد أحدهمـا وكلمـا قويـت أسـباب التكفيــر كـان أقـوى وأتــم وأشـمل " . ا . هـ . الجواب الكافي / 13 .
فمـن فضـل الله علينـا أن أعطانـا بصيـام يـوم واحـد تكفيـر ذنـوب سـنة كاملـة ، فهـو سـبحانه ذو الفضـل العظيـم .
فالمعاصـي والذنـوب سـبب مـن أسـباب الـذل والمهانـة ، فكـم تأتـي المعاصـي بتسـلط الأعـداء والـذل والصغـار .
اللهـم انقلنـا مـن ذل المعصيـة إلـى عـز الطاعـة ، برحمتـك يـا أرحـم الراحميـن .
وارزقنـا يقظـة مـن رقـدات الغفلـة ، وارزقنـا الاسـتعداد قبـل النقلـة ، وألهمنـا اغتنـام الزمـان وقـت المهلـة ، ووفقنـا لفعـل الخيـرات ، وتـرك المنكـرات والفـوز بالرحمـات .
امين يارب العالمين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى