أشراط الساعة
صفحة 1 من اصل 1
أشراط الساعة
أشراط الساعة الجزء الثاني
ومن لم يؤمن إلا بعد مشاهدة الأشراط الكبرى فإيمانه لا يغني عنه من الله شيئا لأنه مثل إيمان الغرق بعد أن غرق، كحال فرعون عندما قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين}، أما الأشراط الصغرى فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بعضها في سؤال جبريل حين سأله فقال: فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وفي رواية ربها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، فهنا بين النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة الصغرى أن تلد الأمة ربتها وفي رواية أن تلد الأمة ربها، وقد اختلف في المقصود بذلك فقالت طائفة المقصود به انتشار العقوق بين البنات والأبناء، فتكون البنت تعتقد أمها أمة لها من عقوقها بها نسأل الله السلامة والعافية، وقالت طائفة أخرى بل المقصود بذلك انتشار الجواري وأمهات الأولاد وقالت طائفة أخرى بل المقصود بذلك أن يكون عدد كبير من الأولاد من الضعفاء الذين يحتاجون إلى من يخدمهم فتكون أمهاتهم خدما لهم، أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان وهذا شرط آخر وهو تطاول الفقراء في البنيان، فإن كل مال ابن آدم مبارك له فيه إلا البنيان الزراعة إذا اشتغل بها الإنسان بورك له فيها كما في حديث أنس من غرس غرسا أو زرع زرعا فإنه لا يأكل منه شجر ولا يستظل به إنسان إلا كان له صدقة، وكذلك التجارة فإذا صدق التاجر وبر واتقى فإنه يبارك له في تجارته، وكذلك الصناعة من أنتج فيها عملا فلم يخن وأتقن عمله ولم يغش فإنه يبارك له في عمله، لكن البنيان من زاد فيه على حاجته وتطاول فيه فإنه لا يبارك له فيه، ولذلك فإن بنيان الإنسان لما لا يسكنه وإنما يجعله لمجرد التباهي والتفاخر لن يكون في كفة الحسنات يوم القيامة، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى هذا في الحديث الذي أخرجه مالك في الموطإ وغيره الخيل لثلاثة هي لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر، فمثل الخيل المال كله، فهو على هذه الأقسام الثلاثة، هو لرجل أجر وهو رجل احتبسه في سبيل الله وتعفف به عن الناس وأخذه من حله ووضعه في محله فهذا المال له أجر كل ما فقد منه كانت مصيبته أجرا له يوم القيامة، وكل ما وجد منه بورك له فيه، فإذن هو له أجر كله، القسم الثاني هو لرجل ستر، وهو رجل لم يحتبسه في سبيل الله ولكنه لم يأخذه إلا من حله وتعفف به واكتفى بما آتاه الله ولم يتعلق بما لم يؤته فهذا المال له ستر يستره من العيب والنقص، القسم الثالث الذي هو وزر نسأل الله السلامة والعافية من جمعه تكثرا وخيلاء أو إرصادا لحرب الله ورسوله، فهذا النوع من المال لا يبارك فيه وهو على صاحبه وزر فما فقد منه كان حسرة وندامة عليه في الدنيا ولم ينل ثوابه يوم القيامة، وما وجد منه لم يكن له فيه بركة ولا فائدة، وقد شاهدنا في زماننا هذا كثيرا من التجار الذين أصبحوا خدما للدنيا يجمعون الأموال ويتعبون أبدانهم وعقولهم وأرواحهم في خدمة الدنيا وتوفيرها ومع ذلك لا يستفيدون منها، وحصلت حادثة غريبة لأحد التجار الكبار في هذا الزمان فقد كان يراقب مؤشر الأسهم فإذا ارتفع المؤشر ضغط الزر على عماله ليبيعوا ما معهم من الأسهم، وإذا انخفض ضغط الزر ليشتروا تلك الأسهم الهابطة، فاشتغل بذلك يومه كله فكان العامل يأتي ويضع له كأس الشاي بين يديه فيبرد ويأتي ويسحبه ويضع مكانه كأسا آخر وهو مشغول عن ذلك لا يلتفت إليه، حتى أغمي عليه فدعيت سيارة الإسعاف فحملوه إلى المستشفى فلما فحص ما وجدوا به أي مرض إلا الجوع والعطش، شغل عن الشرب وعن الأكل وعن الراحة بمؤشر الأسهم، وكذلك يحدثني أحد أغنياء هذا البلد قال إن أغنى تجار هذا البلد أنا وفلان وفلان ذكر اثنين معه، وما منا أحد إلا وقد أنفق أوقاته في جمع المال والأسفار فيه وقد أتعب نفسه وبدنه في ذلك لا يستريح ليلة بين ذويه وأولاده إلا وقلبه على مضض يخاف أن يفوته شيء من ماله، وها نحن وقد حرمنا كل ما هو حلو أو فيه ملح أو فيه دسم، أصيب الثلاثة بأمراض حرم عليهم الأطباء السكر والملح والدهون، فمنعوا ما في هذه الدنيا من الملذات وأصبح غذاؤهم يقول والله ما نتغذى إلا على عيش الشعير بحليب غلوريا، يتغذون بنخالة الشعير بغلوريا وهم أغنى تجار البلد، كذلك مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم هنا أن يكون هؤلاء الفقراء كانوا من قبل حفاة عراة عالة يتصدق الناس عليهم فإذا هم يتطاولون في البنيان، والتطاول فيه يرمز على أمرين، الأمر الأول راجع إلى القلب معناه أن يفاخر غيره ببنيانه سواء كان البنيان قصيرا أو طويلا، الأمر الثاني راجع إلى البنيان نفسه أن يكون بنيان فلان أطول من بنيان فلان، فهذه من أشراط الساعة الصغرى.
ومنها كذلك انتشار الجهل بين الناس والجهل ينقسم إلى قسمين إلى ضد العلم وضد الحلم، فضد العلم إنما ينتشر بموت العلماء كما ذكرنا في الأشراط الوسطى، وضد الحلم معناه النزق وخفة العقل بأن يعجب كل إنسان برأيه وأن يعتبر نفسه أكمل الناس عقلا وأنه لا يحتاج إلى رأي غيره فيحتكر الصواب على نفسه، وهذا ما تشاهدونه اليوم في الناس، فقد شاع إعجاب كل ذي رأي برأيه مع الأسف، كذلك من هذه الأشراط الصغرى أن ينتشر في الناس الأوبئة والأمراض التي لم تكن في من مضوا من أسلافهم، وأن ينتشر القحط كذلك في الأرض وقد أخرج أحمد في المسند وابن ماجه في السنن بإسناد صحيح من حديث بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معشر المهاجرين أعيذكم بالله أن تدركوا خمسا، ما شاعت الفاحشة في قوم فأعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأوجاع والأمراض التي لم تكن فيمن مضوا من أسلافهم، وما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وعسف السلطان ونقص المؤونة، ولا نقض قوم عهد الله وميثاقه إلا سلط الله عليهم عدوا من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.
إننا قد شاهدنا كثيرا من هذه الأشراط، وأنتم الآن تسمعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في شرط من أشراط الساعة وفتنة من الفتن التي بين يديها فتشاهدون ذلك في حياتكم اليومية، وتسمعونه فيمن مضى من أسلافكم، ويشاهد بعضكم كثيرا مما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هو علم به فإذا سمع الحديث رآه واقعا يعيشه كما نشاهده من الفتن وما نشاهده من القحط وما نشاهده كذلك من انتشار الفجور في الأرض وملئها جورا وتعطيل كتاب الله تعالى عن الحكم، وما ذكر كذلك في سورة التكوير من الأشراط الصغرى في قوله تعالى: {إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت} فهذه الأمور كلها مشاهدة، فالشمس كورت والناس اليوم جميعا يعلمون أنها كرة فهي بمثابة الكرة، تدور حول نفسها، وكذلك النجوم انكدرت فقد تساقطت النيازك والشهب وكثر ذلك كثرة ملحوظة وبالأخص في هذه السنة التي اقترب فيها من الأرض مذنب أبقى كثيرا من الآثار، ومنها كذلك قوله: وإذا الجبال سيرت فقد أصبح في زماننا هذا لدى الناس ولع بتسيير الجبال ونحتها إما لأخذ ما فيها من المعادن والخيرات وإما بتوسيع الأرض للبنيان والعمارة وكل ذلك مشاهد يشاهده الناس، وقد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيت بطون مكة قد تبعجت كظائم فاعلم أن الأمر قد أظلك، وفي رواية كذلك إذا رأيت بنيانها يطاول قمم جبالها فاعلم أن الأمر قد أظلك، وقد شوهد هذا وحصل.
كذلك فإن قوله إذا العشار عطلت فإن الناس إنما كانوا ينتقلون وينقلون الأثقال على الإبل ولم تعد الإبل تستغل في نقل الأثقال ولا حملها ولا في الأسفار كذلك فعطلت عن وظيفتها التي كانت وهي قوله وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس فقد عطلت العشار عن ذلك، كذلك فإن من تعطيلها كما يذكر المفسرون ألا ترعى وقد حصل في زماننا هذا إهمال كثير من الناس لإبلهم، فلم يعد الاهتمام بها كما كان، وكذلك قوله: وإذا الوحوش حشرت فقد حصل في زماننا هذا ولع لدى كثير من الدول والمؤسسات بفتح حدائق كبيرة للحيوانات تجمع فيها الوحوش من مختلف الأجناس، وكذلك تسجير البحار فإن البحار ملئت بالسفن التي أصبحت السفينة الواحدة منها مصنعا متحركا، ففي هذا المحيط الذي لديكم وحده للغربيين وحدهم مائتان وخمسين سفينة كما في اتفاق الصيد الموريتاني الأوروبي، مائتان وخمسون سفينة صيد كبرى هي مصنع متحرك، فهذه البحار سجرت أي ملئت وشحنت بالسفن، بالإضافة إلى التفسير الآخر وهو أن التسجير معناه الإيقاد تحتها إيقاد النار تحتها حتى تتبخر وقد بدأت اليوم المشاريع مشاريع تحلية المياه لتبخيرها وتقطيرها في أصقاع الأرض، ومع ذلك فهذا المحيط الذي تطلون عليه يشقه بركان عظيم هو أكبر براكين الدنيا وهو البركان الذي يسمى ببزيد، فهذا البركان ينتقل من جنوب انيوزلندا إلى أن يصل إلى مقابل فلوريدا في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية فهو سائر دائما نار تسعر داخل المحيط، وتشاهد هذه النار في إقبالها بالمراصد وتقاس سرعتها وهم يعرفون سرعتها بالكيلومترات، الآن، فهذه الأشراط قد شاهدتموها وعرفتم أن الساعة آتية لا ريب فيها فأين العمل، ماذا أعددتم لها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتيه الرهط فيسألونه عن الساعة فينظر إلى أحدثهم سنا فيقول لا يموت هذا حتى تقوم الساعة، والمقصود بذلك القيامة الصغرى فالقيامة قيامتان، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، القيامة الكبرى وهي الساعة التي ننتظر قيامها وبدايتها بالنفخ في الصور عندما يأذن الله لإسرافيل وقد أصغى الآن ينتظر الأمر فيأمره بأن ينفخ في الصور نفخة الفزع نفخة الصعق فتبتدئ مشاهد القيامة من ذلك الوقت، تدحى هذه الأرض وتبسط وتكون جبالها كالعهن المنفوش وتزول أوديتها وتخرج خيراتها وما دفن فيها من الناس والأموال وغير ذلك وتطوى وتبدل غير الأرض وتكون الأرض خبزة يتكفؤها الجبار بيمينه كما يتكفأ أحدكم خبزته نزلا لأهل الجنة، وتطوى السماء كذلك كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين، تتشقق فهي يومئذ واهية، إن إيمانكم بهذه الأمور لا بد أن يترك أثرا لديكم في العمل، وهذا المطلوب من تعلم أشراط الساعة، فلو تعلمتم أشراط الساعة لم يكن ذلك ليعجلها عن وقتها ولا ليؤخرها ولم يكن ذلك ليصل بكم إلى أن تعرفوا متى تقوم الساعة فهي لا تأتيكم إلا بغتة، لكن فائدة تعلمكم لأشراطها أمران أحدهما زيادة اليقين بصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتصديقه فيما أخبر وهذا من مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله فقد ذكرنا لكم من قبل أن مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله ثلاثة، من يتذكرها مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله ثلاثة ما هي هذه المقتضيات، المقتضى الأول أن يصدق في كل ما أخبر كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم يجب تصديقه فيه، المقتضى الثاني أن يطاع في كل ما أمر، المقتضى الثالث أن لا يعبد الله إلا بما شرع هذه ثلاث مقتضيات هي مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله، سأعيدها لتبقى في الأذهان، المقتضى الأول أن يصدق في كل ما أخبر، والمقتضى الثاني أن يطاع في كل ما أمر، والمقتضى الثالث أن لا يعبد الله إلا بما شرع.
الفائدة الثانية المتوخاة من تعلم أشراط الساعة، هي أن تتأهب القلوب للانتقال وأن تتأهب الأرواح للعبادة وأن تخف الأطراف لذلك والأجسام فإن الساعة قد أقبلت مقبلة مرتحلة، وإن الدنيا قد أقبلت مدبرة كما قال علي رضي الله عنه، فهذه الدنيا مدبرة وهذه الآخرة مقبلة، فكونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا، واجتهدوا لأنفسكم في النجاة فقد صح من حديث أبي ذر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على المنبر خطيبا فقال: اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار ولو بشق تمرة فاستعدوا يرحمني الله وإياكم لاستقبال هذه القيامة، فالقيامة الصغرى تشاهدونها يوميا، فإذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته، والقيامة الكبرى قد شاهدتم بعض أشراطها وبقيتها على الأبواب، وإذا ظهرت إحداها فالأخرى على أثرها، فاجتهدوا لأنفسكم في التزود من هذه الدار للدار الآخرة، فهذه الدار رغم نقصها ودناءتها فالدنيا إما أن تكون مشتقة من الدنو لقربها أو مشتقة من الدناءة لدناءتها عند الله هي على ذلك هي دار التزود للآخرة، ومن لم يتزود منها لا ينفعه عمل، فاجتهدوا لتتزودوا من هذه الدار لآخرتكم يرحمني الله وإياكم.
ومن لم يؤمن إلا بعد مشاهدة الأشراط الكبرى فإيمانه لا يغني عنه من الله شيئا لأنه مثل إيمان الغرق بعد أن غرق، كحال فرعون عندما قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين}، أما الأشراط الصغرى فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بعضها في سؤال جبريل حين سأله فقال: فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وفي رواية ربها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، فهنا بين النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة الصغرى أن تلد الأمة ربتها وفي رواية أن تلد الأمة ربها، وقد اختلف في المقصود بذلك فقالت طائفة المقصود به انتشار العقوق بين البنات والأبناء، فتكون البنت تعتقد أمها أمة لها من عقوقها بها نسأل الله السلامة والعافية، وقالت طائفة أخرى بل المقصود بذلك انتشار الجواري وأمهات الأولاد وقالت طائفة أخرى بل المقصود بذلك أن يكون عدد كبير من الأولاد من الضعفاء الذين يحتاجون إلى من يخدمهم فتكون أمهاتهم خدما لهم، أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان وهذا شرط آخر وهو تطاول الفقراء في البنيان، فإن كل مال ابن آدم مبارك له فيه إلا البنيان الزراعة إذا اشتغل بها الإنسان بورك له فيها كما في حديث أنس من غرس غرسا أو زرع زرعا فإنه لا يأكل منه شجر ولا يستظل به إنسان إلا كان له صدقة، وكذلك التجارة فإذا صدق التاجر وبر واتقى فإنه يبارك له في تجارته، وكذلك الصناعة من أنتج فيها عملا فلم يخن وأتقن عمله ولم يغش فإنه يبارك له في عمله، لكن البنيان من زاد فيه على حاجته وتطاول فيه فإنه لا يبارك له فيه، ولذلك فإن بنيان الإنسان لما لا يسكنه وإنما يجعله لمجرد التباهي والتفاخر لن يكون في كفة الحسنات يوم القيامة، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى هذا في الحديث الذي أخرجه مالك في الموطإ وغيره الخيل لثلاثة هي لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر، فمثل الخيل المال كله، فهو على هذه الأقسام الثلاثة، هو لرجل أجر وهو رجل احتبسه في سبيل الله وتعفف به عن الناس وأخذه من حله ووضعه في محله فهذا المال له أجر كل ما فقد منه كانت مصيبته أجرا له يوم القيامة، وكل ما وجد منه بورك له فيه، فإذن هو له أجر كله، القسم الثاني هو لرجل ستر، وهو رجل لم يحتبسه في سبيل الله ولكنه لم يأخذه إلا من حله وتعفف به واكتفى بما آتاه الله ولم يتعلق بما لم يؤته فهذا المال له ستر يستره من العيب والنقص، القسم الثالث الذي هو وزر نسأل الله السلامة والعافية من جمعه تكثرا وخيلاء أو إرصادا لحرب الله ورسوله، فهذا النوع من المال لا يبارك فيه وهو على صاحبه وزر فما فقد منه كان حسرة وندامة عليه في الدنيا ولم ينل ثوابه يوم القيامة، وما وجد منه لم يكن له فيه بركة ولا فائدة، وقد شاهدنا في زماننا هذا كثيرا من التجار الذين أصبحوا خدما للدنيا يجمعون الأموال ويتعبون أبدانهم وعقولهم وأرواحهم في خدمة الدنيا وتوفيرها ومع ذلك لا يستفيدون منها، وحصلت حادثة غريبة لأحد التجار الكبار في هذا الزمان فقد كان يراقب مؤشر الأسهم فإذا ارتفع المؤشر ضغط الزر على عماله ليبيعوا ما معهم من الأسهم، وإذا انخفض ضغط الزر ليشتروا تلك الأسهم الهابطة، فاشتغل بذلك يومه كله فكان العامل يأتي ويضع له كأس الشاي بين يديه فيبرد ويأتي ويسحبه ويضع مكانه كأسا آخر وهو مشغول عن ذلك لا يلتفت إليه، حتى أغمي عليه فدعيت سيارة الإسعاف فحملوه إلى المستشفى فلما فحص ما وجدوا به أي مرض إلا الجوع والعطش، شغل عن الشرب وعن الأكل وعن الراحة بمؤشر الأسهم، وكذلك يحدثني أحد أغنياء هذا البلد قال إن أغنى تجار هذا البلد أنا وفلان وفلان ذكر اثنين معه، وما منا أحد إلا وقد أنفق أوقاته في جمع المال والأسفار فيه وقد أتعب نفسه وبدنه في ذلك لا يستريح ليلة بين ذويه وأولاده إلا وقلبه على مضض يخاف أن يفوته شيء من ماله، وها نحن وقد حرمنا كل ما هو حلو أو فيه ملح أو فيه دسم، أصيب الثلاثة بأمراض حرم عليهم الأطباء السكر والملح والدهون، فمنعوا ما في هذه الدنيا من الملذات وأصبح غذاؤهم يقول والله ما نتغذى إلا على عيش الشعير بحليب غلوريا، يتغذون بنخالة الشعير بغلوريا وهم أغنى تجار البلد، كذلك مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم هنا أن يكون هؤلاء الفقراء كانوا من قبل حفاة عراة عالة يتصدق الناس عليهم فإذا هم يتطاولون في البنيان، والتطاول فيه يرمز على أمرين، الأمر الأول راجع إلى القلب معناه أن يفاخر غيره ببنيانه سواء كان البنيان قصيرا أو طويلا، الأمر الثاني راجع إلى البنيان نفسه أن يكون بنيان فلان أطول من بنيان فلان، فهذه من أشراط الساعة الصغرى.
ومنها كذلك انتشار الجهل بين الناس والجهل ينقسم إلى قسمين إلى ضد العلم وضد الحلم، فضد العلم إنما ينتشر بموت العلماء كما ذكرنا في الأشراط الوسطى، وضد الحلم معناه النزق وخفة العقل بأن يعجب كل إنسان برأيه وأن يعتبر نفسه أكمل الناس عقلا وأنه لا يحتاج إلى رأي غيره فيحتكر الصواب على نفسه، وهذا ما تشاهدونه اليوم في الناس، فقد شاع إعجاب كل ذي رأي برأيه مع الأسف، كذلك من هذه الأشراط الصغرى أن ينتشر في الناس الأوبئة والأمراض التي لم تكن في من مضوا من أسلافهم، وأن ينتشر القحط كذلك في الأرض وقد أخرج أحمد في المسند وابن ماجه في السنن بإسناد صحيح من حديث بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معشر المهاجرين أعيذكم بالله أن تدركوا خمسا، ما شاعت الفاحشة في قوم فأعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأوجاع والأمراض التي لم تكن فيمن مضوا من أسلافهم، وما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وعسف السلطان ونقص المؤونة، ولا نقض قوم عهد الله وميثاقه إلا سلط الله عليهم عدوا من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.
إننا قد شاهدنا كثيرا من هذه الأشراط، وأنتم الآن تسمعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في شرط من أشراط الساعة وفتنة من الفتن التي بين يديها فتشاهدون ذلك في حياتكم اليومية، وتسمعونه فيمن مضى من أسلافكم، ويشاهد بعضكم كثيرا مما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هو علم به فإذا سمع الحديث رآه واقعا يعيشه كما نشاهده من الفتن وما نشاهده من القحط وما نشاهده كذلك من انتشار الفجور في الأرض وملئها جورا وتعطيل كتاب الله تعالى عن الحكم، وما ذكر كذلك في سورة التكوير من الأشراط الصغرى في قوله تعالى: {إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت} فهذه الأمور كلها مشاهدة، فالشمس كورت والناس اليوم جميعا يعلمون أنها كرة فهي بمثابة الكرة، تدور حول نفسها، وكذلك النجوم انكدرت فقد تساقطت النيازك والشهب وكثر ذلك كثرة ملحوظة وبالأخص في هذه السنة التي اقترب فيها من الأرض مذنب أبقى كثيرا من الآثار، ومنها كذلك قوله: وإذا الجبال سيرت فقد أصبح في زماننا هذا لدى الناس ولع بتسيير الجبال ونحتها إما لأخذ ما فيها من المعادن والخيرات وإما بتوسيع الأرض للبنيان والعمارة وكل ذلك مشاهد يشاهده الناس، وقد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيت بطون مكة قد تبعجت كظائم فاعلم أن الأمر قد أظلك، وفي رواية كذلك إذا رأيت بنيانها يطاول قمم جبالها فاعلم أن الأمر قد أظلك، وقد شوهد هذا وحصل.
كذلك فإن قوله إذا العشار عطلت فإن الناس إنما كانوا ينتقلون وينقلون الأثقال على الإبل ولم تعد الإبل تستغل في نقل الأثقال ولا حملها ولا في الأسفار كذلك فعطلت عن وظيفتها التي كانت وهي قوله وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس فقد عطلت العشار عن ذلك، كذلك فإن من تعطيلها كما يذكر المفسرون ألا ترعى وقد حصل في زماننا هذا إهمال كثير من الناس لإبلهم، فلم يعد الاهتمام بها كما كان، وكذلك قوله: وإذا الوحوش حشرت فقد حصل في زماننا هذا ولع لدى كثير من الدول والمؤسسات بفتح حدائق كبيرة للحيوانات تجمع فيها الوحوش من مختلف الأجناس، وكذلك تسجير البحار فإن البحار ملئت بالسفن التي أصبحت السفينة الواحدة منها مصنعا متحركا، ففي هذا المحيط الذي لديكم وحده للغربيين وحدهم مائتان وخمسين سفينة كما في اتفاق الصيد الموريتاني الأوروبي، مائتان وخمسون سفينة صيد كبرى هي مصنع متحرك، فهذه البحار سجرت أي ملئت وشحنت بالسفن، بالإضافة إلى التفسير الآخر وهو أن التسجير معناه الإيقاد تحتها إيقاد النار تحتها حتى تتبخر وقد بدأت اليوم المشاريع مشاريع تحلية المياه لتبخيرها وتقطيرها في أصقاع الأرض، ومع ذلك فهذا المحيط الذي تطلون عليه يشقه بركان عظيم هو أكبر براكين الدنيا وهو البركان الذي يسمى ببزيد، فهذا البركان ينتقل من جنوب انيوزلندا إلى أن يصل إلى مقابل فلوريدا في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية فهو سائر دائما نار تسعر داخل المحيط، وتشاهد هذه النار في إقبالها بالمراصد وتقاس سرعتها وهم يعرفون سرعتها بالكيلومترات، الآن، فهذه الأشراط قد شاهدتموها وعرفتم أن الساعة آتية لا ريب فيها فأين العمل، ماذا أعددتم لها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتيه الرهط فيسألونه عن الساعة فينظر إلى أحدثهم سنا فيقول لا يموت هذا حتى تقوم الساعة، والمقصود بذلك القيامة الصغرى فالقيامة قيامتان، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، القيامة الكبرى وهي الساعة التي ننتظر قيامها وبدايتها بالنفخ في الصور عندما يأذن الله لإسرافيل وقد أصغى الآن ينتظر الأمر فيأمره بأن ينفخ في الصور نفخة الفزع نفخة الصعق فتبتدئ مشاهد القيامة من ذلك الوقت، تدحى هذه الأرض وتبسط وتكون جبالها كالعهن المنفوش وتزول أوديتها وتخرج خيراتها وما دفن فيها من الناس والأموال وغير ذلك وتطوى وتبدل غير الأرض وتكون الأرض خبزة يتكفؤها الجبار بيمينه كما يتكفأ أحدكم خبزته نزلا لأهل الجنة، وتطوى السماء كذلك كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين، تتشقق فهي يومئذ واهية، إن إيمانكم بهذه الأمور لا بد أن يترك أثرا لديكم في العمل، وهذا المطلوب من تعلم أشراط الساعة، فلو تعلمتم أشراط الساعة لم يكن ذلك ليعجلها عن وقتها ولا ليؤخرها ولم يكن ذلك ليصل بكم إلى أن تعرفوا متى تقوم الساعة فهي لا تأتيكم إلا بغتة، لكن فائدة تعلمكم لأشراطها أمران أحدهما زيادة اليقين بصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتصديقه فيما أخبر وهذا من مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله فقد ذكرنا لكم من قبل أن مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله ثلاثة، من يتذكرها مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله ثلاثة ما هي هذه المقتضيات، المقتضى الأول أن يصدق في كل ما أخبر كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم يجب تصديقه فيه، المقتضى الثاني أن يطاع في كل ما أمر، المقتضى الثالث أن لا يعبد الله إلا بما شرع هذه ثلاث مقتضيات هي مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله، سأعيدها لتبقى في الأذهان، المقتضى الأول أن يصدق في كل ما أخبر، والمقتضى الثاني أن يطاع في كل ما أمر، والمقتضى الثالث أن لا يعبد الله إلا بما شرع.
الفائدة الثانية المتوخاة من تعلم أشراط الساعة، هي أن تتأهب القلوب للانتقال وأن تتأهب الأرواح للعبادة وأن تخف الأطراف لذلك والأجسام فإن الساعة قد أقبلت مقبلة مرتحلة، وإن الدنيا قد أقبلت مدبرة كما قال علي رضي الله عنه، فهذه الدنيا مدبرة وهذه الآخرة مقبلة، فكونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا، واجتهدوا لأنفسكم في النجاة فقد صح من حديث أبي ذر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على المنبر خطيبا فقال: اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار ولو بشق تمرة فاستعدوا يرحمني الله وإياكم لاستقبال هذه القيامة، فالقيامة الصغرى تشاهدونها يوميا، فإذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته، والقيامة الكبرى قد شاهدتم بعض أشراطها وبقيتها على الأبواب، وإذا ظهرت إحداها فالأخرى على أثرها، فاجتهدوا لأنفسكم في التزود من هذه الدار للدار الآخرة، فهذه الدار رغم نقصها ودناءتها فالدنيا إما أن تكون مشتقة من الدنو لقربها أو مشتقة من الدناءة لدناءتها عند الله هي على ذلك هي دار التزود للآخرة، ومن لم يتزود منها لا ينفعه عمل، فاجتهدوا لتتزودوا من هذه الدار لآخرتكم يرحمني الله وإياكم.
الحبيب المصطفى- مشرف 2
-
عدد المساهمات : 51
تاريخ التسجيل : 09/11/2011
بطاقة الشخصية
العب معنا: 5
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى