أشراط الساعة الجزء الاول
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
أشراط الساعة الجزء الاول
أشراط الساعة الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وقد بين أن هذه الأمة آخر الأمم، فهي ختام الأمم فلن تقوم الساعة إلا على بقاياها، والساعة حدث عظيم، يقتضي من هذه الأمة التهيؤ لأن تكون ختام هذه الدنيا، وأن تستعد لأن تكون فاتحة الآخرة فنحن الآخرون السابقون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الأمة تختم بها الدنيا فهي آخر أممها وتفتتح بها الساعة فهي أول أممها، أول الأمم تدعى بين يدي الله هذه الأمة، وأول خصوم يلتقون بين يدي الله لفصل الخصام دعاة التوحيد من هذه الأمة مع خصومهم دعاة الشرك كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قرأ قول الله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: الله أكبر أنا أول من يجثو للخصام بين يدي ربي وهو من الذين يخاصمون دعاة الشرك بين يدي الله سبحانه وتعالى، فهذه الأمة هي السابقة يوم القيامة، وهي آخر الأمم في هذه الدنيا، فما أحوج هذه الأمة إلى أن تتحمل مسؤولياتها، وأن تعرف دورها، وأن لا تتراجع في مدها بعد أن قادها خير البشرية، وأنزل الله إليها خير الكتب وشرع لها أفضل الشرائع، وجعلها خير أمة أخرجت للناس.
إن مسؤولية الأمة تقتضي منها أن تعرف هذه الأشراط التي لا توجد إلا فيها فإن الله تعالى أخبر الأمم السابقة بالأشراط نذارة وأخبرنا بها وهي واقعة فينا لا محالة، فقد صح في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على المنبر ما بين خلق آدم وقيام الساعة فتنة أعظم من فتنة المسيح الدجال، وما من نبي إلا وأنذره قومه، ولقد أنذره نوح قومه، ألا وإني أنذركموه فأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة، هذا يقتضي منا أن نتعرف على هذه الأشراط وأن نعد لها.
إن الأشراط جمع شَرَطٍ بالتحريك وهو العلامة، فالشرط بالتحريك العلامة والشرْط بالإسكان التعليق، وأشراط الساعة معناه علاماتها التي تبرز بين يديها نذارة وتذكيرا للناس بها، وهذه الأشراط تنقسم إلى قسمين، إلى أشراط كبرى وأشراط صغرى، ويمكن أن تقسم تقسيما آخر إلى ثلاثة أقسام، إلى أشراط كبرى وأشراط وسطى وأشراط صغرى، والأشراط الوسطى هي من الأشراط الصغرى في العموم، من أشراطها الكبرى ختم الأنبياء ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وقد حصل هذا، فقد بعثه الله بين يدي الساعة وقال هو بعثت أنا والساعة كهاتين، وما حصل من امتداد العمر لهذه الأمة كله تشريف لنبيها صلى الله عليه وسلم ليزداد أتباعه يوم القيامة ويزداد أجره بذلك وقد قال فيما أخرج عنه البخاري في الصحيح ما من نبي بعثه الله قبلي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة، وقد حقق الله تعالى رجاءه فجعل أتباعه أكثر أتباع الرسل، ولا يمكن أن يتم هذا إلا بطول الأمد، وقد حصل من الأمد ما رأيتم، وقد أخذ أهل العلم من باب الإشارة أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة مربيا ثلاث عشرة سنة، وعاشت دولة الإسلام بعده ثلاثة عشر قرنا، كل قرن نتاج تربية سنة، فقد سقطت الخلافة بعدما كمل القرن الثالث عشر وانطمست آثارها فبهذا كل سنة من العهد المكي يقابلها قرن من قرون هذه الأمة، وقرون هذه الأمة بين النبي صلى الله عليه وسلم تعددها وقسمها من ناحية الحكم إلى ثلاثة أقسام، فقد أخرج أحمد في المسند وغيره من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تكون فيكم النبوة ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة وسكت.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم مراتب الحكم في هذه الأمة فالمرتبة الأولى مرتبة النبوة والخلافة التي هي على منهج النبوة، وهذه المرتبة هي خير القرون حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم خير القرون القرن الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وقد اختلف أهل العلم في معنى القرن هنا في الحديث، فقالت طائفة منهم المقصود بالقرن الطبقة، والطبقة من ناحية الرواية في الصحابة رضوان الله عليهم ثلاث طبقات، فعلى هذا فالصحابة وحدهم ثلاثة قرون، القرن الأول هم الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فعاصروا بعثته وصدقوه وآمنوا به وجاهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله، القرن الثاني هم الذين أسلموا بعد انتشار الإسلام وبعد الفتح، فكانوا مددا للإسلام وسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورووا عنه، ويدخل فيهم أولاد الصحابة الذين شبوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، القسم الثالث الذين ولدوا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي وهم صغار فلم يحدثوا عنه، أو كان حديثهم عنه بالواسطة، وهؤلاء يدخلون في عموم الصحبة لأن تعريف أهل الحديث للصحابي أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به وعاش معه على الوجه المتعارف في الدنيا ومات على دينه ولو تخلل ذلك ردة على الصحيح، فهذه الأقسام الثلاثة هي أقسام الصحابة وكل واحدة منها طبقة، وأما القسم الرابع الذي ذكره الحافظ بن حجر في الإصابة حيث عد القسم الرابع الذين قيل فيهم إنهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت ذلك وتوسع في العد رحمه الله حتى عد الخضر وحتى عد عيسى بن مريم وعد طائفة من الناس اختلف في إسلامها أصلا كحليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم فقد اختلف في إسلامها، وعد من هذه الطبقة كذلك أبا طالب لأن العباس ذكر أنه شهد أن لا إله إلا الله وقت موته ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وعلى هذا فمجرد شهادة العباس لا يمكن أن تدخله في الصحبة بل قد مات على دين عبد المطلب، وعلى هذا فليس هو من المسلمين ولا من الصحابة، ومع ذلك فقد عده الحافظ في القسم الرابع المختلف في صحبتهم، بناء على القول الضعيف أن العباس سمعه شهد أن لا إله إلا الله عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عم قل كلمة أجادل بها عنك بين يدي الله قل لا إله إلا الله، فهذا القول الأول يقتضي أن القرون المفضلة كلها ممن شاهد النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، وقد ختمت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأبي الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه فهو آخر راء رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توفي سنة 99 بمكة، على الراجح، وفي حديث ابن عمر في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم العشاء ثم التفت إليهم فقال أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه لا يبقى بعد مائة سنة منها على وجه الأرض ذو نفس منفوسة، فما كملت مائة سنة حتى انتقل كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وختموا كما ذكرنا بأبي الطفيل رضي الله عنه فقد كان يقول: أنا آخر راء رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت طائفة أخرى بل القرون المقصود بكل قرن منها مائة سنة، وعدوا القرن الأول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوهم قرنا واحدا، والقرن الثاني هم التابعون الذين أخذوا عنهم ورووا عنهم العلم، والقرن الثالث هم أتباع التابعين الذين رووا العلم عن التابعين، والواقع أن الطبقات الثلاثة الصحابة والتابعون وأتباع التابعين لا يكمل منهم ثلاثمائة سنة، بل إن أتباع التابعين الذين رووا عنهم مات أكثرهم في نهاية القرن الثاني الهجري، ولم يبق منهم بعد القرن الثاني الهجري إلا عدد يسير، ولذلك فإن البخاري رحمه الله قد أدرك بعض الذين أدركوا التابعين وهم قلائل فأدرك منهم المكي بن إبراهيم، وكان يقول كتبت بإصبعي هاتين عن ستين من التابعين ولو علمت أني يحتاج إلي لكتبت عن أكثر، ولذلك فالبخاري ثلاثياته التي ليس فيها بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة رجال أربعة وعشرون حديثا هي من رواية المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الثلاثيات تمثل هذه القرون حيث روى المكي وهو من أتباع التابعين عن يزيد بن أبي عبيد وهو من التابعين، عن سلمة بن الأكوع وهو من الصحابة، وقالت طائفة أخرى بل المقصود تمام المئين، وعلى هذا فيستمر القرن الثالث حتى يشمل أئمة الإسلام كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم من الذين ماتوا قبل المئة الثالثة، بل يشمل الذين عاشوا حتى ماتوا في بداية القرن الرابع الهجري كالنسائي فقد مات سنة ثلاثمائة وثلاث وكمحمد بن جرير الطبري فقد مات سنة ثلاثمائة وعشر وكعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي فقد مات سنة ثلاثمائة وسبعة وعشرين، وعاش عدد من الأئمة في هذا القرن وفيه تطور العلم وانتشر وألفت فيه مؤلفات الإسلام ودواوينه الكبيرة، وعموما فقد اختلف هل قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مرتين أو ثلاثا، فلا شك أنه فضل القرن الذين بعث فيهم ثم ذكر قرنا بعدهم لكن اختلف هل ذكر القرن الثالث أم لا، قال ذلك مرتين أو ثلاثا، ومن أشراط الساعة كذلك ختم الوحي عن أهل الأرض فإن أهل الأرض بدؤوا مسيرتهم، بإهباط آدم إليها، وفي كل فترة من فترات التاريخ ينزل وحي من عند الله تعالى فيه تشريع يناسب الطور الذي تمر به البشرية، حتى إذا بلغت البشرية نضجها وخاضت جميع التجارب ختم الله الوحي إلى أهل الأرض بالقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وختم تنزيل الأحكام فيه بقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، وقد أنزلت هذه الآية يوم الجمعة يوم عرفة، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة في حجة الوداع، وعاش بعد ذلك اليوم اثنين وثمانين يوما، وقد تواتر بعد ذلك الوحي وحمي كما في حديث عائشة رضي الله عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي أشد ما يكون تتابعا، لكن لم ينزل منه شيء من الأحكام بعد هذه الآية، بل ذكر بعدها ما يدل على انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا كنزول سورة النصر وهي آخر سورة أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فختم بها نزول السور، وهذه السورة بمناسبة اسمها تفضيل لهذه الأمة وتشريف لها حيث كان آخر عهدها بالله سبحانه وتعالى أن نصرها وأنزل عليها سورة النصر، فقال: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم أن مهمة الرسالة وأداء هذه الأمانة إلى البشرية قد انتهى بنزول هذه السورة، والنبي صلى الله عليه وسلم مهمته الأولى في هذه الأرض هي بيان الرسالة للناس وبيان الوحي الذي أنزل إليه فإذا ختم ذلك وأدي على الوجه الأكمل وشهد الله له بالتبليغ فإن مهمته قد انتهت وبذلك خير بين أن يعيش وأن يذهب إلى لقاء الله فاختار لقاء الله، ولذلك في حديث أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: إن عبدا خيره الله بين أن يعيش وبين لقائه فاختار لقاء الله، فبكى أبو بكر فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يبكيك يا أبا بكر ولم يفهموا ما فهم أبو بكر من ذلك، فإن أبا بكر فهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم إن عبدا أن المقصود بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد اختار الرفيق الأعلى وبذلك ينتهي عمره في هذه الدنيا، وقد انتهت مهمته حين أنزل الله عليه: {فتول عنهم فما أنت بملوم} وبقوله: {ما على الرسول إلا البلاغ المبين} فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وشهد الله له بذلك، ومن هنا نقله الله إلى دار الكرامة، فليس التعمير في هذه الدنيا كرامة عند الله سبحانه وتعالى، بل التعمير فيها إنما يقصد به زيادة العمل وترجيح كفة الحسنات، وقد زادت كفة حسنات النبي صلى الله عليه وسلم وترجحت بأتباعه وبمن يسير على ملته، فكل عابد لله وموحد يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ثوابه إلى أن تقوم الساعة، ومن هنا فإن هذه الدار دار أكدار، فاختار الله له مجاورته فنقله إلى الرفيق الأعلى، وبذلك انقطع الوحي عن هذه الأرض، وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين أن أبا بكر قال لعمر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم اذهب بنا نزور أم أيمن كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما أتياها سلما عليها فبكت بكاء شديدا فقالا لها وما يبكيك يا أم أيمن، ألا تدرين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا، قالت: أما إني لا أبكي لأني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسوله من هذه الدنيا ولكني أبكي لانقطاع الوحي عن الأرض فبكيا لبكائها، فهذا شرط كبير من أشراط الساعة وهو انقطاع الوحي عن هذه الأرض فلم يبق إلا اجتهادات الناس بعد انقطاع الوحي، قبل أن ينقطع الوحي يمكن أن يجتهد الناس فإما أن يقروا على اجتهادهم بالوحي وإما أن يرد عليهم اجتهادهم بالوحي، أما بعد انقطاع الوحي فلم يبق إلا الاجتهادات يأتمن الله سبحانه وتعالى أهل العلم على ما ائتمنهم عليه من الوحي ويوجب عليهم أن يبذلوا اجتهاداتهم في بيان أحكام الله سبحانه وتعالى وطلب الوصول إلى الحق، وهم بذلك لا يدرون هل يوفقون للصواب أم لا يوفقون له، ولهذا كان مالك رحمه الله يقول في الاجتهادات: {إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين}.
ثم من هذه الأشراط كذلك ما يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم مما حدثنا عنه، فقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم بأمور عظام تقع بعد موته صلى الله عليه وسلم، في صحيح البخاري أنه استيقظ ليلة فقال: لا إله إلا الله ماذا أنزل من الفتن وماذا فتح من الخزائن، أيقظوا صواحب الحجرات أو الحجر فيا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، فتلك الليلة أطلع النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي على ما فتح من الخزائن وما أنزل من الفتن، فخزائن خيرات هذه الأرض وما فيها من المال قد فتحت في تلك الليلة، واختار الله رسوله صلى الله عليه وسلم لئلا يشهدها، وهذا يدلنا على أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة في عشرين مدا من الشعير، وانتقل من هذه الدنيا ولم يتعجل شيئا من أجره، وانتقل أصحابه كذلك على هذا الوجه، فعندما فتحت عليهم خزائن كسرى وقيصر أنفقوها في سبيل الله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: ولتفتحن عليكم كنوز كسرى وقيصر فلتنفقنها في سبيل الله.
صح في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وغيرهما أن عبد الرحمن كان صائما فقدمت له مائدة الإفطار ليفطر فلما وضعت بين يديه رأى عليها صنوفا من الطعام فبكى بكاء شديدا حتى أبكى من حوله، فقالوا: يا أبا المنذر وما يبكيك؟ قال إنا كنا أهل جاهلية فبعث الله إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم فآمنا به وصدقناه وجاهدنا معه فمنا من مات ولم يتعجل من أجره شيئا، منهم أخي مصعب بن عمير مات يوم مات وليس معه إلا بردة إن سترنا بها رأسه بدت رجلاه وإن سترنا رجليه بدا رأسه فمات ولم يتعجل شيئا من أجره، وخلفنا بعدهم فأثمرت علينا الدنيا فنحن نَهْدُبُ ثمراتها، فخشينا أن يقال لنا يوم القيامة أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها، فرفعت المائدة وبكى من حوله، حصلت هذه القصة لعبد الرحمن بن عوف وحصلت لسعد بن أبي وقاص، وحصلت كذلك لعتبة بن غزوان، كل هؤلاء تذكروا حالهم عندما كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يشدون الحجارة على بطونهم من الجوع، وقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: والله إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد رأيتنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا زاد إلا ورق السمر وهذه الحبلة وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط، ثم أصبحت بنوا أسد تعزرني على الإسلام خبت إذن وضل سعيي.
وكذلك عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه أنه قال لقد رأيتنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا زاد إلا ورق الشجر ولقد خرج سعد بن مالك ذات ليلة لحاجته فوقع بوله على شيء فأخذه فإذا هو جلد فغسله وشواه فأكلناه، ولقد رأيت أولئك النفر وما منهم أحد إلا وهو وال على مصر من الأمصار.
إن الخزائن التي فتحت منذرة بقيام الساعة، ففيها ضريبة لا بد منها وهي ما يلازمها من الفتن، عندما فتحت الخيرات على المسلمين في الفتوح التي حصلت في خلافة عمر بن الخطاب وفي أول خلافة عثمان رضي الله عنهما بدأ جيل من المسلمين ينشأ على الرفاهية وكثرة الأموال فكان هذا الجيل سببا للفتنة وهم الذين شاركوا في قتل عثمان والخروج عليه، وهم الذين شاركوا كذلك في الخروج على علي وقتله، فهم جيل نشأ في الرفاهية، أما الجيل الذي نشأ في الشدة والجهاد فقد كانوا كما قال علي رضي الله عنه حين سأله رجل من الخوارج فقال: يا أمير المؤمنين ما لك اختلف الناس عليك وعلى عثمان واتفقوا على أبي بكر وعمر، فقال اتفق الناس على أبي بكر وعمر حين كان الناس أنا وعثمان، واختلف الناس علي وعلى عثمان حين كان الناس أنت وأمثالك، فالفرق شاسع بين أولئك الذين تربوا تلك التربية الأصلية الصحيحة وبين الذين نشأوا بعد ذلك، كذلك فإن الخزائن التي فتحت هي سبب للانشغال عن الجهاد في سبيل الله، فقد أخرج أحمد في المسند وأبو داود في السنن وغيرهما من حديث أبي عبد الرحمن الخراساني عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم، وإن هذا الحال مشاهد فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأمة في بداية نشأتها في السنة الأولى من الهجرة كان ثلاث غزوات، وفي السنوات اللاحقة في كل شهر غزوة وسرية، بهذا المعدل كانت غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه، لاحظوا أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بنفسه في سبع وعشرين غزاة، وأخرج سبعين سرية في حياته، وأخرج بعوثا ورسلا بالكتب زيادة على ذلك، وفي خلافة أبي بكر التي لم تدم إلا سنتين وستة أشهر خرج من الجيوش مثل ما خرج في مدة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة عمر تضاعف العدد، لكن بعد أن فتحت الدنيا أبوابها تقلص العدد وبدأ في النقصان والتراجع، إلى أن وصل إلى ما وصل الحال إليه اليوم فيولد المسلم في بلاد الإسلام ويشيب ويموت وينتقل إلى الدار الآخرة ولم ير بعثا طيلة حياته ولا سرية ولم يخرج في غزو في سبيل الله، إن هذه التربية غير تربية النبي صلى الله عليه وسلم وليست تربية أصحابه ولا هي حياتهم وسنتهم، أن يعيش المسلم عمره لم ير قط بعثا في سبيل الله، إن من المؤسف جدا أن نعيش حياة الذلة والمسكنة ونحن الأمة التي شرفها الله بأن جعل قائدها خير الرسل إمام المرسلين، من المؤسف جدا أن نرضى بالذلة والمسكنة.
إن الذين ألفوا في التاريخ في صدر هذه الأمة إنما كانوا يعتنون بما يتعلق بالغزو وإقامة الحج، فهذا خليفة بن خياط المشهور بشباب وهو شيخ البخاري رحمه الله ألف كتاب التاريخ فاعتنى في كل سنة بمن قاد الشاتية وبمن قاد الصائفة وبمن أقام الحج للناس، هذا أهم أحداث سنوات المسلمين، من الذي قاد الشاتية أي الفرقة المجاهدة التي تخرج في الشتاء، ومن الذي قاد الصائفة أي الفرقة التي تخرج في الصيف، ومن الذي أقام الحج للناس أي قاد الحج، فهذا هو أهم اهتمامات المسلمين في تاريخهم، قاد فلان الشاتية إلى جهة كذا والشاتية إلى جهة كذا قادها فلان، وقاد فلان الصائفة إلى الصين وقاد فلان الصائفة إلى القوقاز وهكذا، فحال المسلمين بعيد جدا عن حالهم إذ ذاك وما هذا إلا مصداق لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والفتن المترتبة على ذلك كثيرة بين النبي صلى الله عليه وسلم أن فيها فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا، أن تكون الدنيا أكبر علم الناس مبلغ علمهم وأن تكون أكبر اهتمامهم فهذه هي الفتنة الصماء، من جعل الدنيا جل همه ومبلغ علمه فسيبيع دينه بعرض من الدنيا يقدم أعراض هذه الدنيا ومصالحها على علاقته بالله ودينه الذي هو شرفه وقيمته، إن كثيرا من الناس قد باعوا دينهم بعرض من الدنيا سواء كان هذا العرض منصبا أو مالا أو مكانة اجتماعية أو حتى مجرد ذكر بين الناس وهؤلاء قد وقعوا في هذه الفتنة الدهماء التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك فإن من الفتن التي أنزلت ما فتن به الناس مما أوتوا من زخارف هذه الدنيا وشهواتها فقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج الشيخان في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أخوف ما أخافه عليكم ما ستجدونه بعدي من زهرة الدنيا فإنها خضرة حلوة، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم، إلا آكلة الخضر فإنها رتعت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت، فهذا تحذير بالغ من النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة مما يفتح عليها من صروف مفاتن هذه الدنيا وزخارفها، وقد قال له رجل يا رسول الله أيأتي الخير بالشر، فقال إن الخير لا يأتي بالشر ولكن من الربيع ما يقتل حبطا أو يلم.
كذلك فإن من هذه الأشراط التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم خروج الدجال، وما بين خلق آدم وقيام الساعة فتنة أعظم منه، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه أصحابه في كثير من المشاهد والمواقف، وقد كان إذا ذكر أصحابه بالدجال رعبوا حتى يظنونه بطائفة النخل، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه إن بعث وهو فينا فهو خصيمه دوننا، وإن يبعث بعده فالله خليفته على كل مسلم، وقال: ما من نبي إلا وقد أنذره قومه ألا وإني أنذركموه، وعلمنا علامة لم يعلمها نبي قبله أمته وهي أنه أعور عينه اليمنى كأنها عنبة طافئة، وفي الحديث الآخر أعور عينه اليسرى كأنها عنبة طافية، وهنا لا تعارض بين هذين الحديثين فهو أعور عينه اليمنى وأعور عينه اليسرى، لكن عينه اليمنى كأنها عنبة طافئة، فهي لا ترى عينه اليمنى لا ترى، وهي غائرة صغيرة جدا داخلة في مكانها ولا يرى منها، أما عينه اليسرى فهي عوراء أي قبيحة وهي كبيرة خارجة عن مكانها كأنها عنبة طافية أي تطفو فوق الماء، فلذلك كلتا عينيه عوراء لكن عينه اليمنى لا يرى منها وعينه اليسرى يرى منها وهي خارجة عن مكانها وعينه اليمنى داخلة في مكانها مكتوب بين عينيه كاف فاء راء أي أنه كافر، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخرج بين العراق والشام فيعيث يمينا وشمالا يمكث في هذه الأرض أربعين يوما، فاليوم الأول كسنة واليوم الثاني كشهر واليوم الثالث كجمعة وبقية أيامه كأيام الناس، قالوا: يا رسول الله أرأيت اليوم الذي كالسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا بل اقدروا له، يقدر وقت الصلاة على حسب الزمن، ويعيث يمينا أي يفسد في يمينه أي في الشمال ويعيث شمالا أي يعيث إلى جهة الجنوب، وبين صلى الله عليه وسلم أنه سيغزو المدينة، فينزل مسالحه أي جيوشه بسباخها، ويصعد هو على جبل من جبالها فيرى المسجد فيقول ذلك القصر الأبيض قصر محمد، وعلى أنقابها يومئذ الملائكة ولها يومئذ سبعة أبواب لا يدخل من باب منها إلا اعترضه الملائكة، ويخرج له أهل المدينة فمن رأى ما هو فيه فتبعه ممن أراد الله به الفتنة فسيكون شر أهل الأرض، ويخرج له رجل من أهل المدينة فيقول: والله إنك للمسيح الدجال الذي حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدعو بمنشار فيضعه على مفرقه فيقسمه به نصفين ويمشي بينهما ثم يناديه فيقوم وما به بأس فيقول والله ما ازددت فيك إلا يقينا، فيضجعه ليذبحه فيجعل الله ما بين ترقوته وذقنه نحاسا فلا يسلط عليه، ويمر بالخربة فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ويمر بالقوم وهم مخصبون فيكذبونه فيأمر السماء فتمسك ويأمر الأرض فتقحط فتروح عليهم مواشيهم وليس لضروعها لبن، ويمسون وهم في قحط وشدة، ويمر بالقوم وهم في قحط فيصدقونه فيأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت فتروح عليهم مواشيهم أسبل ما كانت ضروعا، كل ذلك من الفتنة التي معه، ومعه دابة تضع حافرها حيث يقع بصرها لا يدرى قبلها من دبرها أي لا يعرف وجهها من قفاها، ويخرج معه على مقدمة جيشه سبعون ألفا من يهود أصفهان على رؤوسهم الطيالسة، والطيالسة جمع طيلسان وهو ثوب مثلث يوضع على الرؤوس، ويخرج معه اليهود عندما يجتمعون بالشام لآخر الحشر، فإن الله تعهد لهم بأن يحشرهم إلى الشام كما قال تعالى: {فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا} أي جمعناكم أجمعين إلى الشام، وحين أخرج الله بني قينقاع من المدينة إلى الشام أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم سورة الحشر وفيها: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر}، فأول حشر اليهود إلى الشام هو إخراج بني قينقاع من المدينة، وسيجتمع اليهود الذين هم من ذرية إسرائيل في الشام، ولا يقتضي ذلك أن يجتمع جميع من هو على ملة اليهود في الشام بل الذين يحشرون إلى الشام هم بنوا إسرائيل لقوله تعالى: {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض} أي تفرقوا في الأرض {فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا} فمن كان من بني إسرائيل فلا بد أن يأتي الشام في آخر الزمان، وهنالك تكون الملحمة الكبرى التي حدثنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أخرجه الشيخان في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم، حتى يقول الحجر والشجر يا عبد الله يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه شجر اليهود.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن مهاجر المسلمين في آخر الزمان الشام، فقال: يوشك أن يكون خير مهاجركم مهاجر أبيكم إبراهيم، وقال كذلك فيما أخرج الترمذي في السنن بإسناد حسن إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، وقال كذلك عندما ذكر الطائفة المنصورة قال هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وفي الحديث الذي أخرجه البزار في مسنده بإسناد فيه مقال عن نُهَيْك السكوني أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر قتال اليهود فقال: أنتم يومئذ شرقي نهر الأردن وهم غربيه، قال نهيك ولا أدري ما الأردن يومئذ، لم يكن يدري ما الأردن يومئذ، فأول ما سمع هذه الكلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن قتال المسلمين لليهود.
كذلك فإنه إذا جاء المسيح وعاث في الأرض وتبعه أهل الفساد وتعزز به اليهود فسيقع خراب المدينة، وهذا شرط آخر من أشراط الساعة، فالمدينة أعمرها الله برسوله صلى الله عليه وسلم، لكنها ستترك على خير ما كانت فقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتتركن المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي، قالوا: وما العوافي يا أبا هريرة قال: عوافي السباع، حتى يأتي ذئب أبيض فيغذي على المنبر لا يرده أحد، يغذي على المنبر أي يبول عليه لا يرده أحد، وآخر من يغشاها راعيان من مزينة ينعقان بغنميهما حتى إذا بلغا ثنية الوداع انكبا على وجوههما.
وفي حديث آخر أخرجه أحمد في المسند وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عمران بيت المقدس خراب المدينة، وخراب المدينة فتح رومية وفتح رومية خروج الدجال، فسيعمر بيت المقدس أيضا يعمره المسلمون وبعد ذلك تفتح رومية وهي روما فتنقل كنوزها وهي ما في كنيستها من الكنوز كما بين النبي صلى الله عليه وسلم وكنيستها هي كنيسة الفاتيكان اليوم، تنقل خيراتها إلى بلاد المسلمين، وكذلك من هذه الأشراط الكبرى نزول المسيح بن مريم عليه السلام، فسينزل وقت صلاة الفجر عند المنارة البيضاء شرقي دمشق وهو واضع يمينه على ملك وشماله على ملك كأنما خرج من ديماس، إذا رفع رأسه تحدر منه مثل الجمان من العرق، وإذا طأطأه سال مع عنقه، فيأتي حكما عدلا يحكم بشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل وقد أقيمت الصلاة بجامع دمشق وإمامكم منكم فيقول: يا نبي الله تقدم فصل، فيقول: ما أقيمت لي، ولا يحل لكافر أن يجد نفسه إلا مات من حينه، ونفسه يبلغ حيث يبلغ بصره، والمسيح بن مريم عليه السلام يلتقي بالدجال عند رملة لد أو عند باب اللد فيقتله، واختلف في طريقة قتله فقد ورد في بعض الآثار أنه يضربه بسيف وفي بعضها أنه إذا وجد نفسه ذاب كما يذوب الملح في الماء، وظاهر الحديث أنه يموت بمجرد نفسه لأنه قال: لا يحل لكافر أن يجد نفسه إلا مات ونفسه يبلغ حيث يبلغ بصره، والمسيح ابن مريم عليه السلام ينزل مجددا لشرع نبينا صلى الله عليه وسلم، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب وتقوم به الحجة على النصارى كما قال الله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} وكذلك من هذه الأشراط الكبرى خروج الدابة بمكة وهي دابة تخرج من شعب أجياد أو من صدع خلف الصفا فتخرج على الناس في رمضان في المسجد الحرام لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب فتكلم الناس أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} وقد اختلف في معنى التكليم هل معناه التجريح فتجرح وجوه الناس بما يعرف به الأشقياء من السعداء، أو أن التكليم معناه الحديث أي تحدثهم بهذا الكلام بلسان فصيح، وعلى ذلك القراءتان السبعيتان، بفتح الهمزة وكسرها، أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون أي أن هذا كلامها هي فهي تتكلم به، أو إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون فهي جملة مستأنفة، وهذه الدابة لم يرد أنها تخرج من مكة، بل تخرج في المسجد الحرام في أعظم المسجدين حرمة ولا يدركها طالب ولا يفوتها هارب، ولم يرد أنها ترى في غير مكة، وما يعتقده بعض الناس أنها تخرج في كل البلاد لم يرد عليه أي دليل بل هي تخرج في أعظم المسجدين حرمة، تخرج من صدع أو نفق خلف الصفا وترى في شعب أجياد، كذلك فإن من هذه الأشراط الكبرى طلوع الشمس من مغربها، فإن هذه الشمس ستحبس فهي كل ليلة تخر ساجدة تحت العرش وتستأذن فيأذن لها، بالانصراف فإذا كان آخر الزمان وحق الوعد على الناس فإنها لا يؤذن لها فتحبس ثلاثا والناس ينتظرونها فيطول عليهم الليل وإنما يعرف ذلك العابدون وأصحاب المهن فأصحاب المهن أي أصحاب الحرف يعرفون أوقات عملهم، والعابدون كذلك يعرفون أوقات الصلوات فتحبس عنهم ثلاثا وهم ينتظرونها فإذا طال الانتظار طلعت عليهم من مغربها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها مقترنة بالقمر، وحينئذ تطلع من باب التوبة وهو باب من أبواب السماء قبل المغرب تقبل منه توبة الناس فإذا طلعت الشمس منه من مغربها لم تقبل توبة أحد لم يكن تاب من قبل ولهذا قال الله تعالى: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} والمقصود ببعض آيات الله هنا إما الغرغرة وإما طلوع الشمس من مغربها، فالناس قسمان من بعض آيات الله في حقه الغرغرة وهو من يموت قبل طلوع الشمس من مغربها، أو من بعض آيات الله في حقه طلوع الشمس من مغربها وهو من يعيش إلى ذلك الوقت، وكذلك من هذه الأشراط الكبرى رفع القرآن فإنه سيرفع يسرى عليه فيمحى من المصاحف والقلوب، كما قال الله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} وقد أخرج أحمد في المسند وابن جرير الطبري في تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يوشك أن يسرى على القرآن فيمحى من المصاحف والقلوب، فهذا القرآن أنزل من عند الله وهو كلامه ولم يكن ليجعله بدار هوان منه بدأ وإليه يعود، فلم يكن ليجعله بدار الهوان، ما دام الناس يؤمنون به ويعملون به فهو يشهد لهم، فإذا تركوه ظهريا وراء ظهورهم فإن الله سيرفعه، {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} فإذا هجر القرآن فسيرفعه الله إليه سبحانه وتعالى، ورفعه يأتي بثلاث درجات، الدرجة الأولى موت العلماء وانتقالهم، وهذه الدرجة بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما في الصحيحين أنه قال: إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بموت أهله فإذا مات العلماء اتخذ الناس رؤساء جهالا فاستفتوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، وقد شهدتم في هذه السنة وغيرها من السنوات انتقال عدد كبير من علماء الأرض ومشاهير أهل العلم فيها في دفعة واحدة، كذلك الرفع الثاني هو بترك تحكيمه، بألا يتحاكم الناس إلى كتاب الله فيعدلون عنه إلى المثناة والطاغوت، فيتحاكمون إلى غير ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه هي المرتبة الثانية من مراتب الرفع وقد شاهدتم القوانين الوضعية التي تحكم في أصقاع الأرض، المرتبة الثالثة هي أن يمحى بالكلية فيرفع من القلوب والمصاحف ولا يبقى له أثر نسأل الله أن لا ندرك ذلك، ثم من الأشراط الكبرى كذلك الدخان الذي يظهر في هذه الأرض فيغشى الناس فلا يدرون من أين أتى وتنتقص به الأبصار، وهذا الدخان يكون شديدا على المؤمنين مذكرا لهم بالله سبحانه وتعالى فيسألون الله كشفه عنهم، يقولون: {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} وكذلك من هذه الأشراط نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر أي تسوق الناس إلى أرض الشام تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا.
وكذلك من هذه الأشراط الكبرى حكم الأرض بالعدل بعد أن ملئت جورا وهو خروج المهدي الذي ورد فيه ألف وخمسون حديثا أكثرها أحاديث ضعيفة وصح منها أربعة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بين فيها أن المهدي رجل من أهل بيته يصلحه الله في ليلة، أي أنه لم يكن من الصالحين فيصلحه الله في ليلة واحدة، يطلبه الناس عند موت خليفة ليبايعوه بالمدينة فيفر منهم، فيدركونه بمكة فيبايعونه بين الركن والمقام فتأتيه عصائب العراق وبدلاء الشام ويملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا، عصائب العراق أي طوائف المسلمين الذين يأتون من جهة المشرق، سواء مما نسميه اليوم في المصطلح الجغرافي بالعراق أو من غيره مما وراءه أو دونه، وبدلاء الشام أي علماء الشام وأهل الصلاح فيه، فهؤلاء كلهم يلتحقون بهذا الرجل الصالح ويملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا، وكذلك يغزو جيش الكعبة من قبل الشام حتى إذا كانوا بالبيداء جنوب المدينة خسف بأولهم وآخرهم، ففي حديث عائشة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء خسف بأولهم وآخرهم فقلت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم، فقال: يبعثون على نياتهم.
هذه هي الأشراط الكبرى التي إذا جاءت فإن الناس يؤمنون ويصدقون تصديقا لا يقبل إلا مِن مَن كان مؤمنا قبلها، أما الأشراط الوسطى بالتقسيم السابق فمنها نار تخرج شرقي المدينة تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، وقد خرجت هذه النار في بركان المدينة في القرن السادس الهجري وأضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، وكذلك من هذه الأشراط الوسطى فتح القسطنطينية وهي اسطنبول، فلنعم الأمير أميرها ونعم الجيش جيشه، وكذلك من هذه الأشراط الوسطى أن يفيض المال حتى لا يجد آخذا، ومنها أن يغزو الروم المسلمين تحت ثمانين غاية أي تحت ثمانين راية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا، ومنها كذلك ألا يجبى إلى العراق قفيز ولا درهم، كما في صحيح مسلم، قالوا: من قبل أي، فقال: من قبل الروم، فالروم يمنعون العراق قفيزه ودرهمه أي يحاصرونه فيمنعونه القفيز والدرهم وهذا شرط من أشراط الساعة، وكذلك من هذه الأشراط أن يحسر الفرات عن كنز من ذهب يقتتل الناس عليه قتالا شديدا حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون فيقول الباقي لعلي أنا آخذه، وكذلك من هذه الأشراط أن يشيع الموت في الناس فيموت الناس من غير سبب وسيكثر ذلك في آخر الزمان، ومنها أن يقل الرجال ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، ومنها كذلك أن يخرج شباب حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يتكلمون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ومنها كذلك أن يخرج نساء كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنام الإبل البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام.
ومنها كذلك غنيمة كلب التي تكون في آخر الزمان والخسران لمن لم يشهد غنيمة كلب، وكلب قبيلة من العرب هم بنوا كلب بن وبرة بن إلحاف بن قضاعة ستكون لهم غنيمة كبرى في آخر الزمان، وكذلك من هذه الأشراط الوسطى خروج رجل يدعى السفياني وفي رواية أنه يدعى جهجاه يسوق الناس بعصاه أي يكون ذا ملك عظيم يخضع له الناس، ومنها كذلك خروج ملك اسمه الوليد يجبي المال فيجمعه ولا يتعدى شيئا منه، ومنها كذلك من هذه الأشراط أن تيبس بحيرة طبرية فلا يبقى فيها ماء، وقد نسينا من الأشراط الكبرى خروج يأجوج ومأجوج وسيخرجون من جهة المشرق فيؤذون أهل الأرض ويشربون مياهها ويضايقون المسلمين فيها ويحاصرون نبي الله عيسى ومن معه من المؤمنين على جبل فيدعو الله عليهم فينزل عليهم النغف وهو دود يصيبهم في رقابهم فيموتون جميعا موتة رجل واحد فتمتلئ الأرض من زهمهم ونتنهم، فيسأل المسيح الله سبحانه وتعالى أن يذهب بهم فيأتي مطر فيذهب بجثثهم وتبقى الأرض كالكرسفة البيضاء وتخرج خيراتها حتى يشبع من البطيخة الواحدة النفر من الناس ويستظلون بقشرها، يشبعون منها ويستظلون بقشرها كذلك، والناقة الواحدة تروي القبيلة، والبقرة الواحدة تروي البطن من الناس.
بالنسبة للبخت لها أسنمة متعددة منها ما له سنامان ومنها ما له ثلاثة أسنمة والمقصود بذلك أن تجعل النساء على رؤوسهن مثل الأسنمة، كذلك فإن خروج يأجوج ومأجوج لا يبقى بعده إلا أن تأتي الريح الباردة التي تأخذ المؤمنين من آباطهم اليمنى فتنتزع أرواحهم فينتقلون إلى الله سبحانه وتعالى ولا يبقى في الأرض إلا حفالة أو حثالة لا يباليهم الله بالة، وهؤلاء هم شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، وهؤلاء يفسدون في الأرض فسادا لم يكن فيها من قبل، ولذلك فإن الأنبياء يقولون يوم القيامة إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، فغضبه إنما هو على أولئك الذين بقوا في الأرض وهم حثالة أو حفالة لا يباليهم الله بالة يتهارجون تهارج الحمر، فإن خروج يأجوج ومأجوج هو الذي بينه الله سبحانه وتعالى من أشراط الساعة، بقوله سبحانه وتعالى: {وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون، حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين}
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وقد بين أن هذه الأمة آخر الأمم، فهي ختام الأمم فلن تقوم الساعة إلا على بقاياها، والساعة حدث عظيم، يقتضي من هذه الأمة التهيؤ لأن تكون ختام هذه الدنيا، وأن تستعد لأن تكون فاتحة الآخرة فنحن الآخرون السابقون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الأمة تختم بها الدنيا فهي آخر أممها وتفتتح بها الساعة فهي أول أممها، أول الأمم تدعى بين يدي الله هذه الأمة، وأول خصوم يلتقون بين يدي الله لفصل الخصام دعاة التوحيد من هذه الأمة مع خصومهم دعاة الشرك كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قرأ قول الله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: الله أكبر أنا أول من يجثو للخصام بين يدي ربي وهو من الذين يخاصمون دعاة الشرك بين يدي الله سبحانه وتعالى، فهذه الأمة هي السابقة يوم القيامة، وهي آخر الأمم في هذه الدنيا، فما أحوج هذه الأمة إلى أن تتحمل مسؤولياتها، وأن تعرف دورها، وأن لا تتراجع في مدها بعد أن قادها خير البشرية، وأنزل الله إليها خير الكتب وشرع لها أفضل الشرائع، وجعلها خير أمة أخرجت للناس.
إن مسؤولية الأمة تقتضي منها أن تعرف هذه الأشراط التي لا توجد إلا فيها فإن الله تعالى أخبر الأمم السابقة بالأشراط نذارة وأخبرنا بها وهي واقعة فينا لا محالة، فقد صح في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على المنبر ما بين خلق آدم وقيام الساعة فتنة أعظم من فتنة المسيح الدجال، وما من نبي إلا وأنذره قومه، ولقد أنذره نوح قومه، ألا وإني أنذركموه فأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة، هذا يقتضي منا أن نتعرف على هذه الأشراط وأن نعد لها.
إن الأشراط جمع شَرَطٍ بالتحريك وهو العلامة، فالشرط بالتحريك العلامة والشرْط بالإسكان التعليق، وأشراط الساعة معناه علاماتها التي تبرز بين يديها نذارة وتذكيرا للناس بها، وهذه الأشراط تنقسم إلى قسمين، إلى أشراط كبرى وأشراط صغرى، ويمكن أن تقسم تقسيما آخر إلى ثلاثة أقسام، إلى أشراط كبرى وأشراط وسطى وأشراط صغرى، والأشراط الوسطى هي من الأشراط الصغرى في العموم، من أشراطها الكبرى ختم الأنبياء ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وقد حصل هذا، فقد بعثه الله بين يدي الساعة وقال هو بعثت أنا والساعة كهاتين، وما حصل من امتداد العمر لهذه الأمة كله تشريف لنبيها صلى الله عليه وسلم ليزداد أتباعه يوم القيامة ويزداد أجره بذلك وقد قال فيما أخرج عنه البخاري في الصحيح ما من نبي بعثه الله قبلي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة، وقد حقق الله تعالى رجاءه فجعل أتباعه أكثر أتباع الرسل، ولا يمكن أن يتم هذا إلا بطول الأمد، وقد حصل من الأمد ما رأيتم، وقد أخذ أهل العلم من باب الإشارة أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة مربيا ثلاث عشرة سنة، وعاشت دولة الإسلام بعده ثلاثة عشر قرنا، كل قرن نتاج تربية سنة، فقد سقطت الخلافة بعدما كمل القرن الثالث عشر وانطمست آثارها فبهذا كل سنة من العهد المكي يقابلها قرن من قرون هذه الأمة، وقرون هذه الأمة بين النبي صلى الله عليه وسلم تعددها وقسمها من ناحية الحكم إلى ثلاثة أقسام، فقد أخرج أحمد في المسند وغيره من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تكون فيكم النبوة ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة وسكت.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم مراتب الحكم في هذه الأمة فالمرتبة الأولى مرتبة النبوة والخلافة التي هي على منهج النبوة، وهذه المرتبة هي خير القرون حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم خير القرون القرن الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وقد اختلف أهل العلم في معنى القرن هنا في الحديث، فقالت طائفة منهم المقصود بالقرن الطبقة، والطبقة من ناحية الرواية في الصحابة رضوان الله عليهم ثلاث طبقات، فعلى هذا فالصحابة وحدهم ثلاثة قرون، القرن الأول هم الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فعاصروا بعثته وصدقوه وآمنوا به وجاهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله، القرن الثاني هم الذين أسلموا بعد انتشار الإسلام وبعد الفتح، فكانوا مددا للإسلام وسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورووا عنه، ويدخل فيهم أولاد الصحابة الذين شبوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، القسم الثالث الذين ولدوا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي وهم صغار فلم يحدثوا عنه، أو كان حديثهم عنه بالواسطة، وهؤلاء يدخلون في عموم الصحبة لأن تعريف أهل الحديث للصحابي أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به وعاش معه على الوجه المتعارف في الدنيا ومات على دينه ولو تخلل ذلك ردة على الصحيح، فهذه الأقسام الثلاثة هي أقسام الصحابة وكل واحدة منها طبقة، وأما القسم الرابع الذي ذكره الحافظ بن حجر في الإصابة حيث عد القسم الرابع الذين قيل فيهم إنهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت ذلك وتوسع في العد رحمه الله حتى عد الخضر وحتى عد عيسى بن مريم وعد طائفة من الناس اختلف في إسلامها أصلا كحليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم فقد اختلف في إسلامها، وعد من هذه الطبقة كذلك أبا طالب لأن العباس ذكر أنه شهد أن لا إله إلا الله وقت موته ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وعلى هذا فمجرد شهادة العباس لا يمكن أن تدخله في الصحبة بل قد مات على دين عبد المطلب، وعلى هذا فليس هو من المسلمين ولا من الصحابة، ومع ذلك فقد عده الحافظ في القسم الرابع المختلف في صحبتهم، بناء على القول الضعيف أن العباس سمعه شهد أن لا إله إلا الله عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عم قل كلمة أجادل بها عنك بين يدي الله قل لا إله إلا الله، فهذا القول الأول يقتضي أن القرون المفضلة كلها ممن شاهد النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، وقد ختمت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأبي الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه فهو آخر راء رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توفي سنة 99 بمكة، على الراجح، وفي حديث ابن عمر في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم العشاء ثم التفت إليهم فقال أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه لا يبقى بعد مائة سنة منها على وجه الأرض ذو نفس منفوسة، فما كملت مائة سنة حتى انتقل كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وختموا كما ذكرنا بأبي الطفيل رضي الله عنه فقد كان يقول: أنا آخر راء رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت طائفة أخرى بل القرون المقصود بكل قرن منها مائة سنة، وعدوا القرن الأول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوهم قرنا واحدا، والقرن الثاني هم التابعون الذين أخذوا عنهم ورووا عنهم العلم، والقرن الثالث هم أتباع التابعين الذين رووا العلم عن التابعين، والواقع أن الطبقات الثلاثة الصحابة والتابعون وأتباع التابعين لا يكمل منهم ثلاثمائة سنة، بل إن أتباع التابعين الذين رووا عنهم مات أكثرهم في نهاية القرن الثاني الهجري، ولم يبق منهم بعد القرن الثاني الهجري إلا عدد يسير، ولذلك فإن البخاري رحمه الله قد أدرك بعض الذين أدركوا التابعين وهم قلائل فأدرك منهم المكي بن إبراهيم، وكان يقول كتبت بإصبعي هاتين عن ستين من التابعين ولو علمت أني يحتاج إلي لكتبت عن أكثر، ولذلك فالبخاري ثلاثياته التي ليس فيها بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة رجال أربعة وعشرون حديثا هي من رواية المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الثلاثيات تمثل هذه القرون حيث روى المكي وهو من أتباع التابعين عن يزيد بن أبي عبيد وهو من التابعين، عن سلمة بن الأكوع وهو من الصحابة، وقالت طائفة أخرى بل المقصود تمام المئين، وعلى هذا فيستمر القرن الثالث حتى يشمل أئمة الإسلام كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم من الذين ماتوا قبل المئة الثالثة، بل يشمل الذين عاشوا حتى ماتوا في بداية القرن الرابع الهجري كالنسائي فقد مات سنة ثلاثمائة وثلاث وكمحمد بن جرير الطبري فقد مات سنة ثلاثمائة وعشر وكعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي فقد مات سنة ثلاثمائة وسبعة وعشرين، وعاش عدد من الأئمة في هذا القرن وفيه تطور العلم وانتشر وألفت فيه مؤلفات الإسلام ودواوينه الكبيرة، وعموما فقد اختلف هل قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مرتين أو ثلاثا، فلا شك أنه فضل القرن الذين بعث فيهم ثم ذكر قرنا بعدهم لكن اختلف هل ذكر القرن الثالث أم لا، قال ذلك مرتين أو ثلاثا، ومن أشراط الساعة كذلك ختم الوحي عن أهل الأرض فإن أهل الأرض بدؤوا مسيرتهم، بإهباط آدم إليها، وفي كل فترة من فترات التاريخ ينزل وحي من عند الله تعالى فيه تشريع يناسب الطور الذي تمر به البشرية، حتى إذا بلغت البشرية نضجها وخاضت جميع التجارب ختم الله الوحي إلى أهل الأرض بالقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وختم تنزيل الأحكام فيه بقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، وقد أنزلت هذه الآية يوم الجمعة يوم عرفة، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة في حجة الوداع، وعاش بعد ذلك اليوم اثنين وثمانين يوما، وقد تواتر بعد ذلك الوحي وحمي كما في حديث عائشة رضي الله عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي أشد ما يكون تتابعا، لكن لم ينزل منه شيء من الأحكام بعد هذه الآية، بل ذكر بعدها ما يدل على انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا كنزول سورة النصر وهي آخر سورة أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فختم بها نزول السور، وهذه السورة بمناسبة اسمها تفضيل لهذه الأمة وتشريف لها حيث كان آخر عهدها بالله سبحانه وتعالى أن نصرها وأنزل عليها سورة النصر، فقال: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم أن مهمة الرسالة وأداء هذه الأمانة إلى البشرية قد انتهى بنزول هذه السورة، والنبي صلى الله عليه وسلم مهمته الأولى في هذه الأرض هي بيان الرسالة للناس وبيان الوحي الذي أنزل إليه فإذا ختم ذلك وأدي على الوجه الأكمل وشهد الله له بالتبليغ فإن مهمته قد انتهت وبذلك خير بين أن يعيش وأن يذهب إلى لقاء الله فاختار لقاء الله، ولذلك في حديث أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: إن عبدا خيره الله بين أن يعيش وبين لقائه فاختار لقاء الله، فبكى أبو بكر فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يبكيك يا أبا بكر ولم يفهموا ما فهم أبو بكر من ذلك، فإن أبا بكر فهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم إن عبدا أن المقصود بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد اختار الرفيق الأعلى وبذلك ينتهي عمره في هذه الدنيا، وقد انتهت مهمته حين أنزل الله عليه: {فتول عنهم فما أنت بملوم} وبقوله: {ما على الرسول إلا البلاغ المبين} فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وشهد الله له بذلك، ومن هنا نقله الله إلى دار الكرامة، فليس التعمير في هذه الدنيا كرامة عند الله سبحانه وتعالى، بل التعمير فيها إنما يقصد به زيادة العمل وترجيح كفة الحسنات، وقد زادت كفة حسنات النبي صلى الله عليه وسلم وترجحت بأتباعه وبمن يسير على ملته، فكل عابد لله وموحد يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ثوابه إلى أن تقوم الساعة، ومن هنا فإن هذه الدار دار أكدار، فاختار الله له مجاورته فنقله إلى الرفيق الأعلى، وبذلك انقطع الوحي عن هذه الأرض، وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين أن أبا بكر قال لعمر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم اذهب بنا نزور أم أيمن كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما أتياها سلما عليها فبكت بكاء شديدا فقالا لها وما يبكيك يا أم أيمن، ألا تدرين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا، قالت: أما إني لا أبكي لأني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسوله من هذه الدنيا ولكني أبكي لانقطاع الوحي عن الأرض فبكيا لبكائها، فهذا شرط كبير من أشراط الساعة وهو انقطاع الوحي عن هذه الأرض فلم يبق إلا اجتهادات الناس بعد انقطاع الوحي، قبل أن ينقطع الوحي يمكن أن يجتهد الناس فإما أن يقروا على اجتهادهم بالوحي وإما أن يرد عليهم اجتهادهم بالوحي، أما بعد انقطاع الوحي فلم يبق إلا الاجتهادات يأتمن الله سبحانه وتعالى أهل العلم على ما ائتمنهم عليه من الوحي ويوجب عليهم أن يبذلوا اجتهاداتهم في بيان أحكام الله سبحانه وتعالى وطلب الوصول إلى الحق، وهم بذلك لا يدرون هل يوفقون للصواب أم لا يوفقون له، ولهذا كان مالك رحمه الله يقول في الاجتهادات: {إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين}.
ثم من هذه الأشراط كذلك ما يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم مما حدثنا عنه، فقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم بأمور عظام تقع بعد موته صلى الله عليه وسلم، في صحيح البخاري أنه استيقظ ليلة فقال: لا إله إلا الله ماذا أنزل من الفتن وماذا فتح من الخزائن، أيقظوا صواحب الحجرات أو الحجر فيا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، فتلك الليلة أطلع النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي على ما فتح من الخزائن وما أنزل من الفتن، فخزائن خيرات هذه الأرض وما فيها من المال قد فتحت في تلك الليلة، واختار الله رسوله صلى الله عليه وسلم لئلا يشهدها، وهذا يدلنا على أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة في عشرين مدا من الشعير، وانتقل من هذه الدنيا ولم يتعجل شيئا من أجره، وانتقل أصحابه كذلك على هذا الوجه، فعندما فتحت عليهم خزائن كسرى وقيصر أنفقوها في سبيل الله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: ولتفتحن عليكم كنوز كسرى وقيصر فلتنفقنها في سبيل الله.
صح في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وغيرهما أن عبد الرحمن كان صائما فقدمت له مائدة الإفطار ليفطر فلما وضعت بين يديه رأى عليها صنوفا من الطعام فبكى بكاء شديدا حتى أبكى من حوله، فقالوا: يا أبا المنذر وما يبكيك؟ قال إنا كنا أهل جاهلية فبعث الله إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم فآمنا به وصدقناه وجاهدنا معه فمنا من مات ولم يتعجل من أجره شيئا، منهم أخي مصعب بن عمير مات يوم مات وليس معه إلا بردة إن سترنا بها رأسه بدت رجلاه وإن سترنا رجليه بدا رأسه فمات ولم يتعجل شيئا من أجره، وخلفنا بعدهم فأثمرت علينا الدنيا فنحن نَهْدُبُ ثمراتها، فخشينا أن يقال لنا يوم القيامة أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها، فرفعت المائدة وبكى من حوله، حصلت هذه القصة لعبد الرحمن بن عوف وحصلت لسعد بن أبي وقاص، وحصلت كذلك لعتبة بن غزوان، كل هؤلاء تذكروا حالهم عندما كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يشدون الحجارة على بطونهم من الجوع، وقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: والله إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد رأيتنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا زاد إلا ورق السمر وهذه الحبلة وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط، ثم أصبحت بنوا أسد تعزرني على الإسلام خبت إذن وضل سعيي.
وكذلك عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه أنه قال لقد رأيتنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا زاد إلا ورق الشجر ولقد خرج سعد بن مالك ذات ليلة لحاجته فوقع بوله على شيء فأخذه فإذا هو جلد فغسله وشواه فأكلناه، ولقد رأيت أولئك النفر وما منهم أحد إلا وهو وال على مصر من الأمصار.
إن الخزائن التي فتحت منذرة بقيام الساعة، ففيها ضريبة لا بد منها وهي ما يلازمها من الفتن، عندما فتحت الخيرات على المسلمين في الفتوح التي حصلت في خلافة عمر بن الخطاب وفي أول خلافة عثمان رضي الله عنهما بدأ جيل من المسلمين ينشأ على الرفاهية وكثرة الأموال فكان هذا الجيل سببا للفتنة وهم الذين شاركوا في قتل عثمان والخروج عليه، وهم الذين شاركوا كذلك في الخروج على علي وقتله، فهم جيل نشأ في الرفاهية، أما الجيل الذي نشأ في الشدة والجهاد فقد كانوا كما قال علي رضي الله عنه حين سأله رجل من الخوارج فقال: يا أمير المؤمنين ما لك اختلف الناس عليك وعلى عثمان واتفقوا على أبي بكر وعمر، فقال اتفق الناس على أبي بكر وعمر حين كان الناس أنا وعثمان، واختلف الناس علي وعلى عثمان حين كان الناس أنت وأمثالك، فالفرق شاسع بين أولئك الذين تربوا تلك التربية الأصلية الصحيحة وبين الذين نشأوا بعد ذلك، كذلك فإن الخزائن التي فتحت هي سبب للانشغال عن الجهاد في سبيل الله، فقد أخرج أحمد في المسند وأبو داود في السنن وغيرهما من حديث أبي عبد الرحمن الخراساني عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم، وإن هذا الحال مشاهد فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأمة في بداية نشأتها في السنة الأولى من الهجرة كان ثلاث غزوات، وفي السنوات اللاحقة في كل شهر غزوة وسرية، بهذا المعدل كانت غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه، لاحظوا أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بنفسه في سبع وعشرين غزاة، وأخرج سبعين سرية في حياته، وأخرج بعوثا ورسلا بالكتب زيادة على ذلك، وفي خلافة أبي بكر التي لم تدم إلا سنتين وستة أشهر خرج من الجيوش مثل ما خرج في مدة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة عمر تضاعف العدد، لكن بعد أن فتحت الدنيا أبوابها تقلص العدد وبدأ في النقصان والتراجع، إلى أن وصل إلى ما وصل الحال إليه اليوم فيولد المسلم في بلاد الإسلام ويشيب ويموت وينتقل إلى الدار الآخرة ولم ير بعثا طيلة حياته ولا سرية ولم يخرج في غزو في سبيل الله، إن هذه التربية غير تربية النبي صلى الله عليه وسلم وليست تربية أصحابه ولا هي حياتهم وسنتهم، أن يعيش المسلم عمره لم ير قط بعثا في سبيل الله، إن من المؤسف جدا أن نعيش حياة الذلة والمسكنة ونحن الأمة التي شرفها الله بأن جعل قائدها خير الرسل إمام المرسلين، من المؤسف جدا أن نرضى بالذلة والمسكنة.
إن الذين ألفوا في التاريخ في صدر هذه الأمة إنما كانوا يعتنون بما يتعلق بالغزو وإقامة الحج، فهذا خليفة بن خياط المشهور بشباب وهو شيخ البخاري رحمه الله ألف كتاب التاريخ فاعتنى في كل سنة بمن قاد الشاتية وبمن قاد الصائفة وبمن أقام الحج للناس، هذا أهم أحداث سنوات المسلمين، من الذي قاد الشاتية أي الفرقة المجاهدة التي تخرج في الشتاء، ومن الذي قاد الصائفة أي الفرقة التي تخرج في الصيف، ومن الذي أقام الحج للناس أي قاد الحج، فهذا هو أهم اهتمامات المسلمين في تاريخهم، قاد فلان الشاتية إلى جهة كذا والشاتية إلى جهة كذا قادها فلان، وقاد فلان الصائفة إلى الصين وقاد فلان الصائفة إلى القوقاز وهكذا، فحال المسلمين بعيد جدا عن حالهم إذ ذاك وما هذا إلا مصداق لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والفتن المترتبة على ذلك كثيرة بين النبي صلى الله عليه وسلم أن فيها فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا، أن تكون الدنيا أكبر علم الناس مبلغ علمهم وأن تكون أكبر اهتمامهم فهذه هي الفتنة الصماء، من جعل الدنيا جل همه ومبلغ علمه فسيبيع دينه بعرض من الدنيا يقدم أعراض هذه الدنيا ومصالحها على علاقته بالله ودينه الذي هو شرفه وقيمته، إن كثيرا من الناس قد باعوا دينهم بعرض من الدنيا سواء كان هذا العرض منصبا أو مالا أو مكانة اجتماعية أو حتى مجرد ذكر بين الناس وهؤلاء قد وقعوا في هذه الفتنة الدهماء التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك فإن من الفتن التي أنزلت ما فتن به الناس مما أوتوا من زخارف هذه الدنيا وشهواتها فقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج الشيخان في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أخوف ما أخافه عليكم ما ستجدونه بعدي من زهرة الدنيا فإنها خضرة حلوة، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم، إلا آكلة الخضر فإنها رتعت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت، فهذا تحذير بالغ من النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة مما يفتح عليها من صروف مفاتن هذه الدنيا وزخارفها، وقد قال له رجل يا رسول الله أيأتي الخير بالشر، فقال إن الخير لا يأتي بالشر ولكن من الربيع ما يقتل حبطا أو يلم.
كذلك فإن من هذه الأشراط التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم خروج الدجال، وما بين خلق آدم وقيام الساعة فتنة أعظم منه، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه أصحابه في كثير من المشاهد والمواقف، وقد كان إذا ذكر أصحابه بالدجال رعبوا حتى يظنونه بطائفة النخل، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه إن بعث وهو فينا فهو خصيمه دوننا، وإن يبعث بعده فالله خليفته على كل مسلم، وقال: ما من نبي إلا وقد أنذره قومه ألا وإني أنذركموه، وعلمنا علامة لم يعلمها نبي قبله أمته وهي أنه أعور عينه اليمنى كأنها عنبة طافئة، وفي الحديث الآخر أعور عينه اليسرى كأنها عنبة طافية، وهنا لا تعارض بين هذين الحديثين فهو أعور عينه اليمنى وأعور عينه اليسرى، لكن عينه اليمنى كأنها عنبة طافئة، فهي لا ترى عينه اليمنى لا ترى، وهي غائرة صغيرة جدا داخلة في مكانها ولا يرى منها، أما عينه اليسرى فهي عوراء أي قبيحة وهي كبيرة خارجة عن مكانها كأنها عنبة طافية أي تطفو فوق الماء، فلذلك كلتا عينيه عوراء لكن عينه اليمنى لا يرى منها وعينه اليسرى يرى منها وهي خارجة عن مكانها وعينه اليمنى داخلة في مكانها مكتوب بين عينيه كاف فاء راء أي أنه كافر، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخرج بين العراق والشام فيعيث يمينا وشمالا يمكث في هذه الأرض أربعين يوما، فاليوم الأول كسنة واليوم الثاني كشهر واليوم الثالث كجمعة وبقية أيامه كأيام الناس، قالوا: يا رسول الله أرأيت اليوم الذي كالسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا بل اقدروا له، يقدر وقت الصلاة على حسب الزمن، ويعيث يمينا أي يفسد في يمينه أي في الشمال ويعيث شمالا أي يعيث إلى جهة الجنوب، وبين صلى الله عليه وسلم أنه سيغزو المدينة، فينزل مسالحه أي جيوشه بسباخها، ويصعد هو على جبل من جبالها فيرى المسجد فيقول ذلك القصر الأبيض قصر محمد، وعلى أنقابها يومئذ الملائكة ولها يومئذ سبعة أبواب لا يدخل من باب منها إلا اعترضه الملائكة، ويخرج له أهل المدينة فمن رأى ما هو فيه فتبعه ممن أراد الله به الفتنة فسيكون شر أهل الأرض، ويخرج له رجل من أهل المدينة فيقول: والله إنك للمسيح الدجال الذي حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدعو بمنشار فيضعه على مفرقه فيقسمه به نصفين ويمشي بينهما ثم يناديه فيقوم وما به بأس فيقول والله ما ازددت فيك إلا يقينا، فيضجعه ليذبحه فيجعل الله ما بين ترقوته وذقنه نحاسا فلا يسلط عليه، ويمر بالخربة فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ويمر بالقوم وهم مخصبون فيكذبونه فيأمر السماء فتمسك ويأمر الأرض فتقحط فتروح عليهم مواشيهم وليس لضروعها لبن، ويمسون وهم في قحط وشدة، ويمر بالقوم وهم في قحط فيصدقونه فيأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت فتروح عليهم مواشيهم أسبل ما كانت ضروعا، كل ذلك من الفتنة التي معه، ومعه دابة تضع حافرها حيث يقع بصرها لا يدرى قبلها من دبرها أي لا يعرف وجهها من قفاها، ويخرج معه على مقدمة جيشه سبعون ألفا من يهود أصفهان على رؤوسهم الطيالسة، والطيالسة جمع طيلسان وهو ثوب مثلث يوضع على الرؤوس، ويخرج معه اليهود عندما يجتمعون بالشام لآخر الحشر، فإن الله تعهد لهم بأن يحشرهم إلى الشام كما قال تعالى: {فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا} أي جمعناكم أجمعين إلى الشام، وحين أخرج الله بني قينقاع من المدينة إلى الشام أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم سورة الحشر وفيها: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر}، فأول حشر اليهود إلى الشام هو إخراج بني قينقاع من المدينة، وسيجتمع اليهود الذين هم من ذرية إسرائيل في الشام، ولا يقتضي ذلك أن يجتمع جميع من هو على ملة اليهود في الشام بل الذين يحشرون إلى الشام هم بنوا إسرائيل لقوله تعالى: {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض} أي تفرقوا في الأرض {فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا} فمن كان من بني إسرائيل فلا بد أن يأتي الشام في آخر الزمان، وهنالك تكون الملحمة الكبرى التي حدثنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أخرجه الشيخان في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم، حتى يقول الحجر والشجر يا عبد الله يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه شجر اليهود.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن مهاجر المسلمين في آخر الزمان الشام، فقال: يوشك أن يكون خير مهاجركم مهاجر أبيكم إبراهيم، وقال كذلك فيما أخرج الترمذي في السنن بإسناد حسن إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، وقال كذلك عندما ذكر الطائفة المنصورة قال هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وفي الحديث الذي أخرجه البزار في مسنده بإسناد فيه مقال عن نُهَيْك السكوني أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر قتال اليهود فقال: أنتم يومئذ شرقي نهر الأردن وهم غربيه، قال نهيك ولا أدري ما الأردن يومئذ، لم يكن يدري ما الأردن يومئذ، فأول ما سمع هذه الكلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن قتال المسلمين لليهود.
كذلك فإنه إذا جاء المسيح وعاث في الأرض وتبعه أهل الفساد وتعزز به اليهود فسيقع خراب المدينة، وهذا شرط آخر من أشراط الساعة، فالمدينة أعمرها الله برسوله صلى الله عليه وسلم، لكنها ستترك على خير ما كانت فقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتتركن المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي، قالوا: وما العوافي يا أبا هريرة قال: عوافي السباع، حتى يأتي ذئب أبيض فيغذي على المنبر لا يرده أحد، يغذي على المنبر أي يبول عليه لا يرده أحد، وآخر من يغشاها راعيان من مزينة ينعقان بغنميهما حتى إذا بلغا ثنية الوداع انكبا على وجوههما.
وفي حديث آخر أخرجه أحمد في المسند وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عمران بيت المقدس خراب المدينة، وخراب المدينة فتح رومية وفتح رومية خروج الدجال، فسيعمر بيت المقدس أيضا يعمره المسلمون وبعد ذلك تفتح رومية وهي روما فتنقل كنوزها وهي ما في كنيستها من الكنوز كما بين النبي صلى الله عليه وسلم وكنيستها هي كنيسة الفاتيكان اليوم، تنقل خيراتها إلى بلاد المسلمين، وكذلك من هذه الأشراط الكبرى نزول المسيح بن مريم عليه السلام، فسينزل وقت صلاة الفجر عند المنارة البيضاء شرقي دمشق وهو واضع يمينه على ملك وشماله على ملك كأنما خرج من ديماس، إذا رفع رأسه تحدر منه مثل الجمان من العرق، وإذا طأطأه سال مع عنقه، فيأتي حكما عدلا يحكم بشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل وقد أقيمت الصلاة بجامع دمشق وإمامكم منكم فيقول: يا نبي الله تقدم فصل، فيقول: ما أقيمت لي، ولا يحل لكافر أن يجد نفسه إلا مات من حينه، ونفسه يبلغ حيث يبلغ بصره، والمسيح بن مريم عليه السلام يلتقي بالدجال عند رملة لد أو عند باب اللد فيقتله، واختلف في طريقة قتله فقد ورد في بعض الآثار أنه يضربه بسيف وفي بعضها أنه إذا وجد نفسه ذاب كما يذوب الملح في الماء، وظاهر الحديث أنه يموت بمجرد نفسه لأنه قال: لا يحل لكافر أن يجد نفسه إلا مات ونفسه يبلغ حيث يبلغ بصره، والمسيح ابن مريم عليه السلام ينزل مجددا لشرع نبينا صلى الله عليه وسلم، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب وتقوم به الحجة على النصارى كما قال الله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} وكذلك من هذه الأشراط الكبرى خروج الدابة بمكة وهي دابة تخرج من شعب أجياد أو من صدع خلف الصفا فتخرج على الناس في رمضان في المسجد الحرام لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب فتكلم الناس أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} وقد اختلف في معنى التكليم هل معناه التجريح فتجرح وجوه الناس بما يعرف به الأشقياء من السعداء، أو أن التكليم معناه الحديث أي تحدثهم بهذا الكلام بلسان فصيح، وعلى ذلك القراءتان السبعيتان، بفتح الهمزة وكسرها، أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون أي أن هذا كلامها هي فهي تتكلم به، أو إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون فهي جملة مستأنفة، وهذه الدابة لم يرد أنها تخرج من مكة، بل تخرج في المسجد الحرام في أعظم المسجدين حرمة ولا يدركها طالب ولا يفوتها هارب، ولم يرد أنها ترى في غير مكة، وما يعتقده بعض الناس أنها تخرج في كل البلاد لم يرد عليه أي دليل بل هي تخرج في أعظم المسجدين حرمة، تخرج من صدع أو نفق خلف الصفا وترى في شعب أجياد، كذلك فإن من هذه الأشراط الكبرى طلوع الشمس من مغربها، فإن هذه الشمس ستحبس فهي كل ليلة تخر ساجدة تحت العرش وتستأذن فيأذن لها، بالانصراف فإذا كان آخر الزمان وحق الوعد على الناس فإنها لا يؤذن لها فتحبس ثلاثا والناس ينتظرونها فيطول عليهم الليل وإنما يعرف ذلك العابدون وأصحاب المهن فأصحاب المهن أي أصحاب الحرف يعرفون أوقات عملهم، والعابدون كذلك يعرفون أوقات الصلوات فتحبس عنهم ثلاثا وهم ينتظرونها فإذا طال الانتظار طلعت عليهم من مغربها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها مقترنة بالقمر، وحينئذ تطلع من باب التوبة وهو باب من أبواب السماء قبل المغرب تقبل منه توبة الناس فإذا طلعت الشمس منه من مغربها لم تقبل توبة أحد لم يكن تاب من قبل ولهذا قال الله تعالى: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} والمقصود ببعض آيات الله هنا إما الغرغرة وإما طلوع الشمس من مغربها، فالناس قسمان من بعض آيات الله في حقه الغرغرة وهو من يموت قبل طلوع الشمس من مغربها، أو من بعض آيات الله في حقه طلوع الشمس من مغربها وهو من يعيش إلى ذلك الوقت، وكذلك من هذه الأشراط الكبرى رفع القرآن فإنه سيرفع يسرى عليه فيمحى من المصاحف والقلوب، كما قال الله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} وقد أخرج أحمد في المسند وابن جرير الطبري في تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يوشك أن يسرى على القرآن فيمحى من المصاحف والقلوب، فهذا القرآن أنزل من عند الله وهو كلامه ولم يكن ليجعله بدار هوان منه بدأ وإليه يعود، فلم يكن ليجعله بدار الهوان، ما دام الناس يؤمنون به ويعملون به فهو يشهد لهم، فإذا تركوه ظهريا وراء ظهورهم فإن الله سيرفعه، {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} فإذا هجر القرآن فسيرفعه الله إليه سبحانه وتعالى، ورفعه يأتي بثلاث درجات، الدرجة الأولى موت العلماء وانتقالهم، وهذه الدرجة بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما في الصحيحين أنه قال: إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بموت أهله فإذا مات العلماء اتخذ الناس رؤساء جهالا فاستفتوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، وقد شهدتم في هذه السنة وغيرها من السنوات انتقال عدد كبير من علماء الأرض ومشاهير أهل العلم فيها في دفعة واحدة، كذلك الرفع الثاني هو بترك تحكيمه، بألا يتحاكم الناس إلى كتاب الله فيعدلون عنه إلى المثناة والطاغوت، فيتحاكمون إلى غير ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه هي المرتبة الثانية من مراتب الرفع وقد شاهدتم القوانين الوضعية التي تحكم في أصقاع الأرض، المرتبة الثالثة هي أن يمحى بالكلية فيرفع من القلوب والمصاحف ولا يبقى له أثر نسأل الله أن لا ندرك ذلك، ثم من الأشراط الكبرى كذلك الدخان الذي يظهر في هذه الأرض فيغشى الناس فلا يدرون من أين أتى وتنتقص به الأبصار، وهذا الدخان يكون شديدا على المؤمنين مذكرا لهم بالله سبحانه وتعالى فيسألون الله كشفه عنهم، يقولون: {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} وكذلك من هذه الأشراط نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر أي تسوق الناس إلى أرض الشام تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا.
وكذلك من هذه الأشراط الكبرى حكم الأرض بالعدل بعد أن ملئت جورا وهو خروج المهدي الذي ورد فيه ألف وخمسون حديثا أكثرها أحاديث ضعيفة وصح منها أربعة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بين فيها أن المهدي رجل من أهل بيته يصلحه الله في ليلة، أي أنه لم يكن من الصالحين فيصلحه الله في ليلة واحدة، يطلبه الناس عند موت خليفة ليبايعوه بالمدينة فيفر منهم، فيدركونه بمكة فيبايعونه بين الركن والمقام فتأتيه عصائب العراق وبدلاء الشام ويملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا، عصائب العراق أي طوائف المسلمين الذين يأتون من جهة المشرق، سواء مما نسميه اليوم في المصطلح الجغرافي بالعراق أو من غيره مما وراءه أو دونه، وبدلاء الشام أي علماء الشام وأهل الصلاح فيه، فهؤلاء كلهم يلتحقون بهذا الرجل الصالح ويملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا، وكذلك يغزو جيش الكعبة من قبل الشام حتى إذا كانوا بالبيداء جنوب المدينة خسف بأولهم وآخرهم، ففي حديث عائشة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء خسف بأولهم وآخرهم فقلت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم، فقال: يبعثون على نياتهم.
هذه هي الأشراط الكبرى التي إذا جاءت فإن الناس يؤمنون ويصدقون تصديقا لا يقبل إلا مِن مَن كان مؤمنا قبلها، أما الأشراط الوسطى بالتقسيم السابق فمنها نار تخرج شرقي المدينة تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، وقد خرجت هذه النار في بركان المدينة في القرن السادس الهجري وأضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، وكذلك من هذه الأشراط الوسطى فتح القسطنطينية وهي اسطنبول، فلنعم الأمير أميرها ونعم الجيش جيشه، وكذلك من هذه الأشراط الوسطى أن يفيض المال حتى لا يجد آخذا، ومنها أن يغزو الروم المسلمين تحت ثمانين غاية أي تحت ثمانين راية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا، ومنها كذلك ألا يجبى إلى العراق قفيز ولا درهم، كما في صحيح مسلم، قالوا: من قبل أي، فقال: من قبل الروم، فالروم يمنعون العراق قفيزه ودرهمه أي يحاصرونه فيمنعونه القفيز والدرهم وهذا شرط من أشراط الساعة، وكذلك من هذه الأشراط أن يحسر الفرات عن كنز من ذهب يقتتل الناس عليه قتالا شديدا حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون فيقول الباقي لعلي أنا آخذه، وكذلك من هذه الأشراط أن يشيع الموت في الناس فيموت الناس من غير سبب وسيكثر ذلك في آخر الزمان، ومنها أن يقل الرجال ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، ومنها كذلك أن يخرج شباب حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يتكلمون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ومنها كذلك أن يخرج نساء كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنام الإبل البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام.
ومنها كذلك غنيمة كلب التي تكون في آخر الزمان والخسران لمن لم يشهد غنيمة كلب، وكلب قبيلة من العرب هم بنوا كلب بن وبرة بن إلحاف بن قضاعة ستكون لهم غنيمة كبرى في آخر الزمان، وكذلك من هذه الأشراط الوسطى خروج رجل يدعى السفياني وفي رواية أنه يدعى جهجاه يسوق الناس بعصاه أي يكون ذا ملك عظيم يخضع له الناس، ومنها كذلك خروج ملك اسمه الوليد يجبي المال فيجمعه ولا يتعدى شيئا منه، ومنها كذلك من هذه الأشراط أن تيبس بحيرة طبرية فلا يبقى فيها ماء، وقد نسينا من الأشراط الكبرى خروج يأجوج ومأجوج وسيخرجون من جهة المشرق فيؤذون أهل الأرض ويشربون مياهها ويضايقون المسلمين فيها ويحاصرون نبي الله عيسى ومن معه من المؤمنين على جبل فيدعو الله عليهم فينزل عليهم النغف وهو دود يصيبهم في رقابهم فيموتون جميعا موتة رجل واحد فتمتلئ الأرض من زهمهم ونتنهم، فيسأل المسيح الله سبحانه وتعالى أن يذهب بهم فيأتي مطر فيذهب بجثثهم وتبقى الأرض كالكرسفة البيضاء وتخرج خيراتها حتى يشبع من البطيخة الواحدة النفر من الناس ويستظلون بقشرها، يشبعون منها ويستظلون بقشرها كذلك، والناقة الواحدة تروي القبيلة، والبقرة الواحدة تروي البطن من الناس.
بالنسبة للبخت لها أسنمة متعددة منها ما له سنامان ومنها ما له ثلاثة أسنمة والمقصود بذلك أن تجعل النساء على رؤوسهن مثل الأسنمة، كذلك فإن خروج يأجوج ومأجوج لا يبقى بعده إلا أن تأتي الريح الباردة التي تأخذ المؤمنين من آباطهم اليمنى فتنتزع أرواحهم فينتقلون إلى الله سبحانه وتعالى ولا يبقى في الأرض إلا حفالة أو حثالة لا يباليهم الله بالة، وهؤلاء هم شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، وهؤلاء يفسدون في الأرض فسادا لم يكن فيها من قبل، ولذلك فإن الأنبياء يقولون يوم القيامة إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، فغضبه إنما هو على أولئك الذين بقوا في الأرض وهم حثالة أو حفالة لا يباليهم الله بالة يتهارجون تهارج الحمر، فإن خروج يأجوج ومأجوج هو الذي بينه الله سبحانه وتعالى من أشراط الساعة، بقوله سبحانه وتعالى: {وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون، حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين}
الحبيب المصطفى- مشرف 2
-
عدد المساهمات : 51
تاريخ التسجيل : 09/11/2011
بطاقة الشخصية
العب معنا: 5
مواضيع مماثلة
» أشراط الساعة
» من علامات قروب الساعة
» did you know هل تعلم ؟ لماذا نطوف عكس عقااارب الساعة :
» مقالات فلسفية مهمة جدا الجزء 1 ......
» المنطق التعاقبي (الجزء الأول )
» من علامات قروب الساعة
» did you know هل تعلم ؟ لماذا نطوف عكس عقااارب الساعة :
» مقالات فلسفية مهمة جدا الجزء 1 ......
» المنطق التعاقبي (الجزء الأول )
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى